ومعنى قوله : * ( وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ) * أي تتركونها ، وليس المراد بذلك ما يضاد الذكر ، لأنّ ذلك من فعل الله لا ينهاهم عنه .
فإن قيل : إذا كان الواجب عليهم مع ترك الطاعة والإقامة على المعصية ، الأمر بالطاعة ، والنهي عن المعصية ، فكيف قيل لهم هذا القول ؟
قلنا : في أمرهم بالطاعة ، ونهيهم عن المعصية تعظيم لما يرتكبونه من معصية الله تعالى ، لأنّ الزواجر كلّها كلّما كانت أكثر ، كانت المعصية أعظم ففي نهيهم لغيرهم زواجر ، فهو توبيخ على عظيم ما ارتكبوا من ذلك .
وقوله : * ( وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ) * .
والكتاب الّذي كانوا يتلونه التوراة على قول ابن عباس وغيره ، وقال أبو مسلم : كانوا يأمرون العرب باتباع الكتاب الّذي في أيديهم ، فلمّا جاءهم كتاب مثله ، لم يتبعوه .
وقوله : * ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) * .
فالعقل ، والفهم ، واللب ، والمعرفة ، نظائر يقال : فلانٌ عاقلٌ فهيم أديب ذو معرفة ، وضد العقل : الحمق .
قوله تعالى : * ( واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ ) * آية واحدة ( 45 ) .
قال الجبائي : هذا خطاب للمؤمنين دون أهل الكتاب ، وقال الطبري ، والرماني : هو خطاب لأهل الكتاب ، ويتناول المؤمنين على وجه التأديب .
والأقوى أن يكون خطاباً لجميع مَن هو بشرائط التكليف ، لفقد الدلالة على التخصيص ، واقتضاء العموم ذلك ، فمن قال : إنّه خطاب لأهل الكتاب ، قال :
