نام کتاب : العثمانية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 311
إسم الكتاب : العثمانية ( عدد الصفحات : 363)
وقد ذكر هو عليه السلام حاله يومئذ ، فقال في خطبة له مشهورة : " فتعاقدوا ألا يعاملونا ولا يناكحونا ، وأوقدت الحرب علينا نيرانها ، واضطرونا إلى جبل وعر ، مؤمننا يرجو الثواب ، وكافرنا يحامى عن الأصل " . ولقد كانت القبائل كلها اجتمعت عليهم ، وقطعوا عنهم المادة والميرة ، فكانوا يتوقعون الموت جوعا صباحا ومساء ، لا يرون وجها ولا فرجا ، قد اضمحل عزمهم وانقطع رجاؤهم ، فمن الذي خلص إليه مكروه تلك المحن بعد محمد صلى الله عليه وآله إلا علي عليه السلام وحده . وما عسى أن يقول الواصف والمطنب في هذه الفضيلة من تقصى معانيها وبلوغ غاية كنهها وفضيلة الصابر عندها . ودامت هذه المحنة ثلاث سنين حتى [1] انفرجت عنهم بقصة الصحيفة . والقصة مشهورة . وكيف يستحسن الجاحظ لنفسه أن يقول في علي عليه السلام : إنه قبل الهجرة كان وادعا رافها ، لم يكن مطلوبا ولا طالبا ، وهو صاحب الفراش ، الذي فدى رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه ، ووقاه بمهجته ، واحتمل السيوف ، ورضخ الحجارة دونه . وهل ينتهى الواصف وإن أطنب ، والمادح وإن أسهب ، إلى الإبانة عن مقدار هذه الفضيلة ، والايضاح لمزية هذه الخصيصة . فأما قوله : " إن أبا بكر عذب بمكة " فإنا لا نعلم أن العذاب كان واقعا إلا بعبد أو عسيف ، أو لمن لا عشيرة له تمنعه . فأنتم في أبى بكر بين أمرين : تارة تجعلونه دخيلا ساقطا وهجينا ، رذيلا مستضعفا [ ذليلا ] ، وتارة تجعلونه رئيسا متبعا وكبيرا مطاعا ، فاعتمدوا على أحد القولين لنكلمكم بحسب ما تختارونه لأنفسكم . ولو كان الفضل في الفتنة والعذاب لكان عمار وخباب وبلال وكل معذب بمكة أفضل من أبى بكر ، لانهم كانوا من العذاب في أكثر مما كان فيه ، ونزل فيهم من القرآن ما لم ينزل فيه ، كقوله تعالى : " والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا " قالوا : نزلت في خباب وبلال . ونزل في عمار قوله : " إلا من أكره وقلبه