الذهب ، وانه أخصب بلاد الدنيا ، وأن الواقع عندهم يكون في أخصب عيش ، وإذا أرادوا خروجه من بلادهم أروه صورة بلاده فتاقت نفسه إليها فلم يلبث عندهم ورحل كيف ما استطاع ، وقد وقع في هذا البلد رجل من عرب بني قرة وبقي فيه مدة ورجع إلى بلاده ، فأخبر بما رأى فيه من الخصب والخيرات ، ومما في أيدي أربابه من الأموال . وليس لهم مدافعة ولا بصر بالحرب ولا سلاح ، لأنهم لم يعهدوا الحروب ، فبلغ ذلك أمير بني قرة ، وكان اسمه مقرب بن ماض ، فعزم على النهوض إليهم فأعد أزودة كثيرة وظهراً مطيقاً وماء كثيراً ، وذهب في الصحراء يطلب واح صبرو ودله الرجل الذي دخل البلد فوصل إلى مدينة ألواح خارج ، فسأل عن واح صبرو ، فقالوا كلهم : ما نعرف له طريقاً ولا يجده إلا من ضل في الصحراء في النادر من الزمان ، وهو كما ذكر وأكثر فخرج من ألواح خارج يطلب واح صبرو ، فبقي يجول في الصحراء مدة فلم يجده ولا قدر على الوصول إليه ، فخاف نفاد الزاد فكر راجعاً ، فنزل في رجوعه ذات ليلة ربوة من الأرض في تلك الصحراء فوجد بعض أصحابه في نواحي تلك الربوة بيتاً للأول ، فبحثوا عنه فإذا هو لبن من نحاس أحمر ، فزادوا في البحث ، فوجدوا أساس سور من نحاس للأول ، فأوقروا جميع ما عندهم من تلك اللبن وساروا حتى أتوا مدينة ألواح الخارج ، فباعوا ذلك النحاس بأموال كثيرة ثم أرادوا أن يرجعوا إلى تلك الربوة التي وجدوا فيها النحاس فلم يقدروا عليها وضلوا طريقها ، ولو وجدوها لكان فيها غناهم طول الدهر . قالوا : وأتى رجل من أهل ألواح خارج إلى مقرب بن ماض فأخبره أنه دخل حائط نخل كان له ، فوجد أكثر تمره قد أكل ، ووجد فيه أثر قدم إنسان لا يشبه هذا الخلق في العظم ، قال : فاحترسه هو وأهله ليالي حتى طرقهم ذلك الشخص ، فرأوا خلقاً عظيماً لم يعهد مثله ، فجعل يأكل التمر فلما هموا به فاتهم فلم يعلموا له أمراً ، قالوا : فذهب معهم مقرب حتى وقف على أثر ذلك الشخص فاستعظمه وأمرهم أن يحفروا زبية في الموضع الذي كان يدخل فيه ويغطوا أعلاه بالحشيش ويرقبوه ، ففعلوا ذلك ورقبوه ليالي كثيرة ، فلما كان ذات ليلة أقبل ذلك الشخص على عادته فتردى في الزبية ، فبادروا إليه بجمعهم وغلبوا عليه بكثرتهم حتى أخذوه ، فإذا بامرأة سوداء عظيمة الخلق مفرطة الطول والعرض لا تفقه منها كلمة ، فرآها مقرب بن ماض فهاله أمرها ، فكلموها بكل لغة علموها من لغات السودان فلم تجاوب بواحدة منها ، وتكلمت بكلام لا يفهم ، وبقيت عندهم أياماً يأتمرون في أمرها ، فقال لهم مقرب : أرى أن ترسل وتركب الخيل السوابق والنجب العتاق في أثرها إلى أن يوقف على موضعها وتعلم حقيقة أمرها فلما أرسلت فاتت الخيل والنجب ، وبارت الرياح فلم يقعوا منها على حقيقة خبر . ويذكر أن بين بلاد ألواح وبلاد الجريد من إفريقية رمالاً عريضة فيها بقاع تعرف بالجزائر وهي كثيرة النخل والعيون ، ولا عمران فيها ولا أنيس . ويقال إنه يسمع فيها عزيف الجن ، ولا شك أنها كانت بلاداً عامرة ، ويتكدس هناك من التمر تحت النخيل أكوام لا يقع عليه أحد إلا الطير والوحوش ، وربما انتجعه الناس عند السنين الجدبة للضرورة . قالوا : وكثر جري الرياح على أرض الواحات الخارجة فعدا عليها وغير ما فيها من الآبار ، فبلاد الواحات الخارجة الآن صحراء لا أنيس بها ولا عامر ، والمياه بها موجودة ، وكانت قديماً معمورة متصلة الثمار والعمارات ، ومنها كان الدخول إلى مدينة غانة في طريق مسلوكة ومناهل معلومة ، لكنها انقطعت ودرست ، وبالواحات الخارجة أغنام وأبقار متوحشة ، وبين الواحات وحد النوبة مسيرة ثلاثة أيام في مفاوز غير عامرة ، وفي أرض الواحات الخارجة جبل معترض فيها سامي الذروة ، فيه معدن يستخرج منه حجر اللازورد ويحمل إلى أرض مصر فيصرف ، وفي أرض الواحات يكون الثعبان ولا يكون البتة في غيرها من الأرض ، والثعبان على ما يحكيه أهل تلك النواحي يرى كالتل العظيم يلتقم العجل والكبش والإنسان ، وهو حيوان على صورة الحية ينساب على بطنه ، له أذنان بارزتان وأنياب وأسنان ، وحركته بطيئة ، ويأوي إلى الكهوف والدهاس ، فمن قصده أو اعترضه التقمه ، وإذا خرج عن هذه الأرض مات ، وهذا مشهور عندهم . وأما الواحات الداخلة فإن بها قوماً من البربر وغيرهم متحضرين يزرعون هناك حيث المياه النيلج ، والنيلج الواحي معروف بالطيب والجودة ويفوق غيره ، وينتج بهذه الأرض مع ما اتصل بها من أعلى أرض أسوان حمير صغار المقادير في مقدار الكباش ملمعة بسواد وبياض لا تحمل