رضي الله عنه عبأ لهم أصحابه ، فحملت خيلهم على خالد بن سعيد وكان في الميمنة يقص على الناس ، فقاتلهم حتى قتل رحمه الله ، وحمل معاذ بن جبل رضي الله عنه من الميمنة فهزمهم ، وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه من الميسرة فهزم من يليه ، وحمل سعيد بن زيد بالخيل على عظم جمعهم فهزمهم الله تعالى وقتلهم واجتث عسكرهم ، ورجع الناس وقد ظفروا وقتلوهم كل قتلة ، وذهب المشركون على وجوههم ، فمنهم من دخل دمشق مع أهلها ، ومنهم من رجع إلى حمص ، ومنهم من لحق بقيصر ، فكانت قتلاهم في المعركة خمسمائة ، وقتلوا وأسروا نحو خمسمائة أخرى ، ثم إن الناس أقبلوا عودهم على بدئهم حتى نزلوا دمشق ، فحاصروا أهلها وضيقوا عليهم ، وكلما أصاب رجل نفلاً جاء به حتى يلقيه في القبض لا يستحل أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً ، إلى أن كان من أمر دمشق ما كان . مرج عذراء : بالشام بمقربة من دمشق بينهما اثنا عشر ميلاً . وفي سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي الكندي ، وهو أول من قتل صبراً في الإسلام ، حمله زياد بن أبيه من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة ، وأربعة من غيرها ، وكان زياد بن أبيه شكاهم إلى معاوية وأنهم ينكرون عليه ، وخاف من خلافهم وإثارتهم الفتنة ، فحملوا إلى دمشق ، فلما صاروا على أميال من الكوفة يراد به دمشق أنشأت ابنة له تقول ، ولا عقب له من غيرها : ترفع أيها القمر المنير * لعلك أن ترى حجراً يسير يسير إلى معاوية بن صخر * ليقتله كذا زعم الأمير ويصلبه على بابي دمشق * وتأكل من محاسنه النسور تجبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير ألا يا حجر حجر بني عدي * تلقتك السلامة والسرور أخاف عليك ما أردى عدياً * وشيخاً في دمشق له زئير ألا يا ليت حجراً مات موتاً * ولم ينحر كما نحر البعير فإن يهلك فكل عميد قوم * إلى هلك من الدنيا يصير فلما صار إلى مرج عذراء تقدم البريد بأخبارهم إلى معاوية رضي الله عنه ، فبعث برجل أعور ، فلما أشرف على حجر وأصحابه قال رجل منهم : إن صدق الزجر فإنه سيقتل منا النصف وينجو الباقون ، فقيل له : وكيف ذاك قال : أما ترون الرجل المقبل مصاباً بإحدى عينيه ؟ فلما وصل إليهم قال لحجر : إن أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب ، وقتل أصحابك ، إلا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه ، فقال حجر وجماعة ممن كان معه : إن الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما دعوتنا إليه ، ثم القدوم على الله تعالى وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم وعلي وصيه أحب إلينا من دخول النار . وأجاب نصف ممن كان معه إلى البراءة من علي رضي الله عنه ، فلما تقدم حجر ليقتل قال : دعوني حتى أصلي ركعتين ، فخلوه ، فطول في صلاته ، فقيل له : أجزعاً من الموت ؟ فقال : لا ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت ، وما صليت قط أخف من هذه ، وكيف لا أجزع وإني لأرى قبراً محفوراً ، وسيفاً مشهوراً ، وكفناً منشوراً ، ثم قدم فنحر ، وألحق به من وافقه على قوله من أصحابه ، والقصة مشهورة فلنقتصر على هذا . مرج راهط : بغوطة دمشق من الشام ، فيه التقى مروان بن الحكم والضحاك بن قيس ، وكان يدعو لابن الزبير . وكان ابن الزبير ، لما أطبق الناس على مبايعته ، عزم مروان على مبايعته وأن ينضاف إلى جملته ، فمنعه من ذلك عبيد الله