اللبين : جبيل قريب من كبكب . ومن شعر ابن الجنان المتأخر من قصيدة : قف المطايا بالرقمتين * وحي بانات رامتين وسائل الركب عن رباب * ومن بلبنان عن لبين لبلابة : هو اسم عند أهل البحر والمسافرين فيه للبحر المحيط ، بحر المغرب ، وهو البحر الغربي المسمى بحر الظلمات ، وهو البحر الذي لا يعلم أحد ما خلفه ، وفيه الجزائر الخالدات ، وهو الذي سافر فيه المغرورون وأقلعوا من مدينة الأشبونة حسبما ذلك مذكور عند ذكرها ، ولم يقف منه أحد على خبر صحيح لصعوبة عبوره وإظلامه وتعاظم موجه وكثرة أهواله وتسلط دوابه وهيجان رياحه ، وفيه جزائر كثيرة معمورة وخالية ، وليس يركبه أحد من الناس ملججاً ، وإنما يمر عليه بطول الساحل ولا يفارقه ، وأمواج هذا البحر تندفع مغلقة ولا ينكسر ماؤها ، ولو انكسر موجه ما قدر أحد على سلوكه ، وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار ، وأهل الأندلس أيضاً يكايدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة ، إلى أن كان زمن الإسكندر ، ووصل إلى أهل الأندلس فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس فأحضر الفعلة والمهندسين ، وقصد مكان الزقاق ، وكان أرضاً جافة ، فأمر المهندسين بوزن الأرض ووزن سطوح ماء البحرين ، فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بيسير فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام ، ونقلها من أخفض إلى أرفع ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين طنجة وبلاد الأندلس ، فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض ، وبنى عليها رصيفاً بالحجر والجير إفراغاً وكان طول البناء اثني عشر ميلاً ، وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد ، وبنى رصيفاً آخر يقابله من ناحية أرض طنجة ، وكان بين الرصيفين سعة سبعة أميال فقط ، فلما أكمل الرصيفين ودخل البحر الشامي فاض ماؤه وهلكت مدن كثيرة كانت على الشطين معاً ، وغرق أهلها ، وطغى الماء على الرصيفين نحو إحدى عشرة قامة ، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر من جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهوراً بيناً طوله على خط مستقيم ، وقد عاين المسافرون ذلك وجروا مع طوله بطول الزقاق ، وأهل الموضع يسمونه القنطرة ، وأما الرصيف الثاني الذي في بلاد طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتا الناحيتين ، وطول هذا الزقاق اثنا عشر ميلاً ، وعلى طرفه من جهة المشرق الجزيرة الخضراء وعلى طرفه من جهة المغرب جزيرة طريف ، وعرض البحر بين سبتة والخضراء ثمانية عشر ميلاً ، وهذا البحر في كل يوم وليلة يجزر مرتين ويمتلي مرتين دائماً بتقدير العزيز الحكيم وهذا البحر هو الذي يسمونه بحر اقيانس أو قيانوس . قالوا : وعلى الحد الذي يخرج منه الخليج إلى البحر الرومي المنارة النحاس الذي بناه هرقل الملك الجبار ، وعليه الكتابة والتماثيل مشيرة بأيديها ألا طريق ورائي ، ولا مسلك في هذا البحر ولا تجري فيه جارية ولا فيه حيوان ، وهذا كالمخالف لما قدمناه . قالوا : ولا تدرك له غاية ولا يحاط بمقداره ، وهو بحر الظلمات والأخضر والمحيط . قالوا : وقد خاطر بنفسه خشخاش من أهل الأندلس ، وكان من فتيان قرطبة في جماعة من أحداثها فركبوا مراكب استعدوها ودخلوا هذا البحر وغابوا مدة ثم أتى بغنائم واسعة وأخبار مشهورة . قال المسعودي : وإنما يركب من هذا البحر ما يلي المغرب والشمال ، وذلك من أقاصي بلاد السودان إلى برطانية الجزيرة العظمى التي في أقصى الشمال ، وفي هذا البحر ست جزائر مقابل بلاد السودان تسمى الخالدات ، وفيه بقرب جزيرة برطانية إحدى عشرة جزيرة ، ثم لا يعرف أحد ما بعد ذلك . قالوا : وليس شيء من البحار كلها يتصل بالبحر الحبشي ، وأما سائرها فمتصلة ، وهي من بحر واحد ، إلا أن بحر الخزر قد اختلف فيه : هل يتصل ببحر اقيانس أو لا قالوا : والصحيح أنه لا يتصل بشيء من هذه البحار .