ثم قدموا واحداً منهم ليقتلوه فقال لهم : لا تقتلوني فإن لأميركم عندي نصيحة ، فأرادوه على أن يعلمهم بها فلم يفعل ، فأتوا به العباس فقال له : تعطيني الأمان على نفسي وأهلي وأدلك على موضع تفتح منه قصريانة ، فأدخله العباس في بيت وأغلق عليه ثم نادى في أصحابه بالركوب ومضى وجعل العلج بين يديه في يوم مطير وثلج ، والناس لا يعلمون أين يريد ، فمضى حتى قرب من قصريانة فنزل ، فلما غشيهم الليل نزل حتى صار إلى قرب المدينة ، فوجه نائبه في رَجْلٍ كثير ووجه معه العلج ، وأقام هو في خيله ورجله على باب المدينة ، فمضى نائبه مع العلج حتى أتى به إلى قناة يخرج منها ماء المدينة فأدخل منها الرجال ودخل معهم ، حتى أتى بهم العلج إلى باب الحصن ، وأهله في غفلة ، فوضعوا السيف على الحرس فقتلوهم ، وسمع أهل المدينة الصياح فأتوا من كل ناحية إلى باب الحصن ، فلم يزل المسلمون يضاربونهم على الباب حتى فتحوه وكبّر المسلمون خارج الباب ودخلوا المدينة ، وهرب الروم ، ودخل الناس فافترقوا في المدينة يقتلون ويغنمون حتى أخذوا كل ما فيها وأحرقوها ، ولم يكن للروم في تلك النواحي أكبر منها ولا أوسع ولا أكثر قمحاً ، وكان فتحها في شوال سنة أربع وأربعين ومائتين ، وبعث أبو إبراهيم بالفتح رسولاً إلى المتوكل معه هدايا شريفة ، وخيار ما سبى من وصيف ووصيفة . قصر مصمودة : حصن كبير بينه وبين سبتة اثنا عشر ميلاً ، وهو على ضفة البحر تنشأ به المراكب والحرارق التي يسافر بها إلى بلاد الأندلس وهو على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس ، وبين قصر مصمودة وطنجة عشرون ميلاً . قصر ابن عبد الكريم : مدينة صغيرة بينها وبين مكناسة في جهة المغرب ثلاث مراحل ، ويسكنه قوم من البربر وهو على نهر لكسّ ، وبينه وبين البحر نحو أربعين ميلاً في أرض كلها رمل ، ولها مزارع وخصب وصيود برَ وبحر وبه سوق عامرة وجمل صناعات ، والرخاء شامل وبينه وبين طنجة يومان . قصر الفلوس : مدينة كبيرة في المغرب الأوسط ، هي مرسى للمراكب ، فيها آثار للأول كثيرة تدل على أنها كانت دار مملكة ، وهي اليوم خراب ، وفيها ماء مجلوب على قناطر بأغرب ما يكون من البناء القديم . القصر القديم : عند القيروان أسسه إبراهيم بن الأغلب سنة أربع وثمانين ومائتين ، وصار دار أمراء بني الأغلب ، وهو في قبلة القيروان وعلى ثلاثة أميال منها ، وبه جامع له صومعة مستديرة مبنية بالآجر والعمد سبع طبقات ، لم يبن أحكم منها ولا أحسن منظراً وبه حمّامات كثيرة وفنادق وأسواق جمة ومواجل الماء وإذا قحطت القيروان وفقد الماء في مواجلها انتقلوا الماء من مدينة القصر . وكان لها من الأبواب : باب الرحبة قبلي ، وباب الحديد قبلي ، وباب غلبون شرقي ، وباب الريح شرقي ، وباب السعادة غربي يقابل المقبرة الكبيرة ، وداخل المدينة رحبة كبيرة واسعة تعرف بالمدائن ، وتجاور مدينة القصر بنية تعرف بالرصافة ، ولمّا بنى إبراهيم بن الأغلب مدينة القصر وانتقل إليها ، خربت دار الإمارة التي كانت بالقيروان بقبليّ الجامع منه . قصر سعد : بجزيرة صقلية على فرسخ من المدينة ، وهو على ساحل البحر وحوله قبور كثيرة للمسلمين ، وهو موصوف بالفضل والبركة مقصود من كل مكان ، وبإزائه عين وداخله مساكن وبيوت منتظمة ، وهو كامل مرافق السكنى وفي أعلاه مسجد من أحسن مساجد الدنيا مفروش بحصر نظيفة ، وقد علق فيه نحو الأربعين قنديلاً من أنواع الزجاج والصفْر ، وفي أسفل القصر بئر عذبة وله إمام يصلي بهم الفريضة والتراويح في رمضان ، وبمقربة من هذا القصر بنحو ميل إلى جهة المدينة قصر آخر على صفته يعرف بقصر جعفر ، وداخله ساقية تفور بماء عذب . القصر : مدينة بالأندلس بينها وبين شلب أربع مراحل ،