بالجزيرة كلمته تغلب عليها النصارى وحكموا عليها ، وذلك في أواخر شوّال من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة . قُراقر : على وزن حلاحل ، موضع في ديار كلب بجهة الشام ، وفي الخبر أن الروم لما استجاشوا على أبي عبيدة رضي الله عنه ومن معه من المسلمين ، وبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه قال : والله لأنسينَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد ، وكان إذ ذاك يلي حرب العراق ، فكتب إليه أبو بكر رضي الله عنه : أمّا بعد ، فدع العراق وخلِّف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه ، وامض متخففاً في أهل القوة من أصحابك الذين قدموا معك العراق من اليمامة ، وصحبوك في الطريق ، وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين ، فإذا لقيتهم فأنت أمير الجماعة والسلام . وفي الكتاب : وإياك أن تعود لمثل ما فعلت فإنه لم يشج الجموعَ بعون الله تعالى أشجاءك ، ولم ينزع الشجى أحد من الناس نزعك ، فلتهنئك أبا سليمان النعمة والحظوة ، فأتمم يتمم الله لك فلا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل ، وإياك أن تدلَّ بعمل فإن الله تعالى له المنّ ، وهو وليَ الجزاء . ووافى خالداً كتابُ أبي بكر رضي الله عنهما هذا وهو بالحيرة منصرفاً من حجّة حجّها متكتماً بها ، فإنه لما فرغ من إيقاعه بالروم ومن انضوى إليهم مغيثاً لهم من مسالح فارس بالفراض وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة - أقام بالفراض عشراً ثم أذن بالقفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة ، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم ، وأمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم ، وأظهر خالد رضي الله عنه أنه في الساقة ، وخرج من الحيرة ومعه عدة من أصحابه يعتسف ليلاً حتى أتى مكَّة بالسمت ، فتأتي له من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا ريبال ، فسار طريقاً من طرق الجزيرة ، ولم ير طريق أعجب منه ، فكانت غيبته عن الجند يسيرة ، ما توافي إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه فقدما معاً ، وخالد وأصحابه محلقون ، ولم يعلم بحجه إلا من أفضى إليه بذلك من السّاقة ، ولم يعلم أبو بكر رضي الله عنه بذلك إلا بعد ، فهو الذي يعنيه بما تقدم في كتابه إليه من معاتبته إياه . وقدم الرسول بالكتاب على خالد رضي الله عنه ، فقال له خالد قبل أن يقرأ الكتاب : ما وراءك ؟ فقال له : خير ، تسير إلى الشام ، فشقّ ذلك عليه وقال : هذا عمل عمر رضي الله عنه ، نفسَ علي أن يفتح الله عليّ العراق ، وكانت الفرْس قد هابوه هيبة شديدة ، وكان إذا نزل بقوم من المشركين كان عذاباً من عذاب الله عليهم ، وليثاً من الليوث ، فلما قرأ كتاب أبي بكر رضي الله عنه فرأى أنه قد ولاه على أبي عبيدة رضي الله عنه وعلى الشام كان ذلك منحى بنفسه وقال : إما إذ ولاني فإن في الشام من العراق خلفاً ، وقال خالد : إن بالشام أهل الإسلام وقد تهيأت لهم الروم وتيسرت ، فإنما أنا مغيث ، وليس لهم مترك ، فكونوا أنتم هاهنا على حالكم التي أنتم عليها ، فإن نفرغ مما أشخصت إليه عاجلاً عجلنا إليكم ، فإن أبطأت رجوت ألا تعجزوا ولا تهنوا وليس خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتارك إمدادكم بالرجال حتى يفتح الله عليكم هذه البلاد إن شاء الله تعالى . وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أمر خالداً بالخروج في شطر الناس وأن يخلف على الشطر الثاني المثنى بن حارثة وقال له : لا تأخذ نجداً إلا خلفت له نجداً ، فإذا فتح الله عليكم فارددهم إلى العراق وأنت معهم ، ثم أنت على عملك ، فأحصى خالد رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأثر بهم ، وترك للمثنى أعدادهم من أهل الغَناء ممن لم تكن له صحبة ثم نظر فيمن بقي فاختلج من كان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وافداً أو غير وافد ، وترك للمثنى أعدادهم من أهل الغناء ثم قسم الجند نصفين ، فقال المثنى : والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر رضي الله عنه في استصحاب نصف الصحابة رضي الله عنهم وإبقاء النصف أو بعض النصف ، فوالله ما أرجو النصر إلا بهم فأنى تعريني منهم . فلما رأى ذلك خالد رضي الله عنه بعدما تلكأ عليه أعاضه منهم حتى رضي ، وأنجد خالد رضي الله عنه ومعه المثنى ، فشيعه إلى قراقر ، فقال له خالد رضي الله عنه : انصرف إلى سلطانك غير مقصر ولا ملوم ولا وإن .