وعليهم قائم ينظر في أمورهم فهذا ما حكاه محمد بن محمد بن إدريس . وقرطبة على نهر عظيم عليه قنطرة عظيمة من أجل البنيان قدراً وأعظمه خطراً ، وهي من الجامع في قبلته ، وبالقرب منه ، فانتظم بها الشكل . قالوا : وبأمر عمر بن عبد العزيز قام على نهر قرطبة الجسر الأعظم الذي لا يعرف في الدنيا مثله ، وحول الأندلس من عمل إفريقية وجرَّد لها عاملاً من قبله ، ووقعت المغانم فيها عن أمره . وذكر أن تفسير قرطبة بلسان القوط - قرظبة بالظاء المعجمة - ومعنى ذلك بلسانهم : القلوب المختلفة وقيل إن معنى قرظبة آخر " فاسكنها " . ودور مدينة قرطبة في كمالها ثلاثون ألف ذراع ، وبها من الأبواب باب القنطرة وهو بقبليها ومنه يعبر النهر على القنطرة والباب الجديد وهو بشرقيها وباب السّور بجوفيها ، وباب عامر وهو بين الغربي والجوفي منها ، وغيرها . وقصر مدينة قرطبة بغربيها متصل بسورها القبلي والغربي ، وجامعها بإزاء القصر من جهة الشرق ، وقد وصل بينهما بساباط يسلك الناس تحته من المحجة العظمى التي بين الجامع والقصر إلى باب القنطرة ، وكان طول مسقف البلاطات من المسجد الجامع - وذلك من القبلة إلى الجوف ، قبل الزيادة مائتين وخمساً وعشرين ذراعاً والعرض من الشرق إلى الغرب قبل الزيادة مائة ذراع وخمس أذرع ، ثم زاد الحكم في طوله في القبلة مائة ذراع وخمس أذرع ، فكمل الطول ثلاثمائة ذراع وثلاثين ذراعاً ، وزاد محمد بن أبي عامر بأمر هشام بن الحكم في عرضه من جهة المشرق ثمانين ذراعاً ، فتم العرض مائتين وثلاثين ذراعاً ، وكان عدد بلاطاته أحد عشر بلاطاً ، عرض أوسطها ست عشرة ذراعاً وعرض كل واحد من اللذين يليانه شرقاً واللذين يليانه غرباً ، أربعة عشر ذراعاً ، وعرض كل واحدة من الستة الباقية أحد عشر ذراعاً . وزاد محمد بن أبي عامر فيها ثمانية عشر عرض كل واحد عشر أذرع ، وطول الصحن من المشرق إلى المغرب مائة وثمان وعشرون ذراعاً ، وعرضه من القبلة إلى الجوف مائة واحدة وخمس أذرع ، وعرض السقائف المستديرة بصحنه عشر أذرع ، فتكسيره ثلاثة وثلاثون ألف ذراع ومائة وخمسون ذراعاً وعدد أبوابه تسعة : منا ثلاثة في صحنه غرباً وشرقاً وجوفاً وأربعة في بلاطاته : اثنان غربيان واثنان شرقيان ، وفي مقاصير النساء من السقائف بابان ، وجميع ما فيه من الأعمدة ألف عمود ومائتا عمود وثلاثة وتسعون عموداً أساطين رخام كلها . وقباب مقصورة الجامع مذهبة ، وكذلك جدران المحراب وما يليه قد أجري فيه الذهب على الفسيفساء ، وشرفات المقصورة فضة محضة ، وارتفاع الصومعة اليوم - وهي من بناء عبد الرحمن بن محمد ثلاث وسبعون ذراعاً إلى أصل القبة المفتحة التي يستدير بها المؤذنون ، وفي رأس هذه القبة تفاح ذهب وفضة ، وارتفاعها إلى مكان الأذان أربع وخمسون ذراعاً ، وطول كل حائط من حيطانها على الأرض ثمان عشرة ذراعاً . وعدد المساجد بقرطبة على ما أحصي وضبط أربعمائة وأحد وتسعون مسجداً . وأحواز قرطبة تنتهي في الغرب إلى أحواز إشبيلية ، وتأخذ في الجوف ستين ميلاً ، وتختلط أحوازها في الشرق بأحواز جيان ، وعلى الجملة فقد كانت أمَ البلاد وواسطة عقد الأندلس ، وحَوَتْ من الأكابر من أهل الدنيا والآخرة من الملوك والعلماء والصالحين والمفتين وغيرهم خلقاً ، ومتعوا فيها ما أراد الله عزّ وجلّ ، وذلك حين كان جدها صاعداً . وبعد ذلك طحنتها النوائب واعتورتها المصائب ، وتوالت عليها الشدايد والأحداث فلم يبق من أهلها إلا البشر اليسير على كبر اسمها وضخامة حالها . وقنطرتها التي لا نظير لها وعدد أقواسها تسع عشرة قوساً ، بين القوس والقوس خمسون شبراً ، ولها ستائر من كل جهة تستر القامة ، وارتفاعها من موضع المشي إلى وجه الماء ، في أيام جفوف الماء وقلته ، ثلاثون ذراعاً . وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف مصنوع من الأحجار والعمد الجافية من الرخام ، وعلى السد ثلاث بيوت أرحاء ، في كل بيت أربع مطاحن . ومحاسن هذه المدينة وشماختها أكثر من أن يُحاط بها . فلما عثر جدّها وخوى نجمها وضعف أمر الإسلام واختلت