بخيش كنا أعددناه للصيف بعد أن نغمسه في الزيت ، وجليت بوران على المأمون وقد فرش لها حصير من ذهب ، وجئ بمكتل من ذهب مرصع بجوهر فيه در كبار فنثر على من حضر من النساء وفيهن رشيدة وحمدونة بنت الرشيد وأشباههما ، فما مس من حضر منهن شيئاً منه حتى قال المأمون لهن : شرفن أبا محمد وأكرمن عروسنا ، فمدت كل واحدة منهن يدها فأخذت درة ، وبقي سائر الدر يلوح على حصير الذهب ، فقال المأمون : قاتل الله الحسن بن هانئ ، كأنه رأى هذا المنظر حيث يقول : كأن صغرى وكبرى من فواقعها * حصباء در على أرض من الذهب قيل : وأنفق الحسن بن سهل حين أعرس المأمون ببوران بنته ثمانية وثلاثين ألف ألف درهم ، قيل وأخذت شمعتا عنبر ودخل بهما ليلاً فأوقدتا بين يديه فكثر دخانهما وأفرط ، فقال المأمون : ارفعوهما فقد آذانا الدخان وهاتوا الشمع . ودخل الحسن على ابنته بوران لما اجتلاها المأمون وأجلست إلى جنبه ومعه ست لآل عظيمة الخطر لم توجد لهن سابعة فنثرن عليها ، فالتقط المأمون منهن اثنتين إعجاباً بهما وأخذ الأربع من حضر من الكبراء ، وكانت وليمة المأمون هذه تدعى وليمة الإسلام إذ لم يكن في ولائم الإسلام قط مثلها . صنف : جزيرة من جزر الهند ، بها يوجد العود الصنفي وهو أفضل من القماري لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله ، وبها بقر وجواميس لا أذناب لها ، وبها النارجيل والموز وقصب السكر ، وأهلها لا يذبحون شيئاً من الحيوان ولا الهوام من الحشرات وإنما تؤكل عندهم إذا ماتت ، بل يعافها أكثرهم ولا يأكلها ، ومن قتل بقرة لزمه القتل وتقطع يده ، وإذا وقفت البقرة عن الخدمة والتصرف وضعت في بيت وتركت حتى تموت موتها الطبيعي ، ومياههم عذبة . وبحر الصنف هو الذي بعده بحر الصين ، وبعرضه الجبل الذي يتوقد ليلاً ونهاراً أو يسمع فيه مثل قواصف الرعد دوي الأصوات الهائلة التي تدل على هلاك ملكهم . صنكان : بلد على ساحل بحر القلزم ، أهله مقيمون لا يتجرون والناس واردون عليهم وصادرون عنهم ، وبضائع أهلها قليلة وأموالهم يسيرة وصنائعها نزرة وجملتها غير حسنة ، لكن الله تعالى حبب الوطن لأهله . صنعاء : مدينة عظيمة باليمن كان اسمها في القديم أزال فلما وافتها الحبشة ونظروا إلى مدينتها فرأوها مبنية بالحجارة قالوا : هذه صنعة وتفسيرها بلسانهم حصينة ، فسميت صنعا . قالوا : والذي أسس غمدان وابتدأ بنيانه واحتفر بيده الذي هو اليوم سقاية بمسجد جامع صنعاء ، سام بن نوح عليه السلام ؛ لأنه سار يطلب حر البلاد وموضع اعتدال الحر والبرد فلم يجده إلا في جزيرة العرب ، فنظر الحجاز فوجده مفرط الحر لمقام الشمس شهرين في مثل ثلاث درجات وكسر على سمته ، فسار في الإقليم الأول حتى صار إلى حقل صنعاء فوجده أطيب باعتداله وصحة هوائه ، ورآه أرجح إلى البرد منه إلى الحر ، ورأى ميله وسطاً لا مثل ميل الحمل المتقارب تسير الشمس فيه طولاً درجة وعرضاً قريباً من نصفها ، ولا مثل ميل الجوزاء الذي هو تسع طوله ، ورأى الشمس تسامته في السنة كرتين في ثماني درجات من الثور وثلاث وعشرين من الأسد ، فإذا كانت الشمس فيها ترى الشمس في أيار صنعاء انتصاف النهار . وصنعاء مدينة كثيرة الخيرات متصلة العمارات ليس في بلاد اليمن أقدم منها عهداً ولا أكبر قطراً ولا أكثر ناساً ، وهي في صدر الإقليم الأول معتدلة الهواء طيبة الثرى ، والزمان بها أبداً معتدل الحر والبرد ، وكانت ملوك اليمن قاطبة تنزل بها ، وهي ديار العرب ، وكان لملوكها بها بناء كبير عظم الذكر وهو قصر غمدان ، فهدم وصار كالتل العظيم ، وأكثر بنيانها في هذا الوقت بالخشب ، وبها دار لعمل الثياب المنسوبة إليها ، وهي قاعدة اليمن ، وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها