نام کتاب : أبو بكر بن أبي قحافة نویسنده : علي الخليلي جلد : 1 صفحه : 114
الهجرة ! هل نسيته أم تناسيته ! فإنها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة التي متى امتحنها الناظر ، وأجال فكره فيها ، رأى تحتها فضائل متفرقة ومناقب متغايرة ، وذلك أنه لما استقر الخبر عند المشركين ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مجمع على الخروج من بينهم للهجرة إلى غيرهم قصدوا إلى معالجته ، وتعاقدوا على أن يبيتوه في فراشه ، وان يضربوه بأسياف كثيرة ، بيد كل صاحب قبيلة من قريش سيف منها ، ليضيع دمه بين الشعوب ، ويتفرق بين القبائل ولا يطلب بنو هاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش وتحالفوا على تلك الليلة واجتمعوا عليها ، فلما علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك من امرهم ، دعا أوثق الناس عنده ، وأمثلهم في نفسه وأبذلهم في ذات الإله لمهجته ، وأسرعهم إجابة إلى طاعته فقال له : ان قريشا قد تحالفت على أن تبيتني هذه الليلة فامض إلى فراشي ، ونم في مضجعي ، والتف في بردي الحضرمي ليروا أني لم أخرج ، واني خارج : إن شاء الله ، فمنعه أولا من التحرز واعمال الحيلة ، وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم ، وألجأه إلى أن يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من أيدي أرباب الحنق والغيظة فأجاب إلى ذلك سامعا مطيعا طيبة بها نفسه ، ونام على فراشه صابرا محتسبا ، واقيا له بمهجته ، ينتظر القتل ، ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر ، ولا يبلغها طالب ، " والجود بالنفس أقصى غاية الجود " ، ولولا ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علم أنه أهل لذلك ، لما أهله ، ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمه ، واختير لذلك لكان من اختاره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منقوضا في رأيه ، مضرا في اختياره ، ولا يجوز أن يقول هذا أحد من أهل الاسلام ، وكلهم مجمعون على أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عمل الصواب وأحسن في الاختيار . ثم في ذلك - إذا تأمله المتأمل - وجوه من الفضل :
114
نام کتاب : أبو بكر بن أبي قحافة نویسنده : علي الخليلي جلد : 1 صفحه : 114