نام کتاب : بداية الحكمة نویسنده : السيد الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 179
وقد قسموا عالم المثال إلى المثال الأعظم القائم بذاته ، والمثال الأصغر القائم بالنفس ، الذي تتصرف فيه النفس كيف تشاء بحسب الدواعي المختلفة الحقة والجزافية ، فتأتي أحيانا بصور حقة صالحة وأحيانا بصور جزافية تعبث بها . والعوالم الثلاثة المذكورة مترتبة طولا ، فأعلاها مرتبة وأقواها وأقدمها وجودا وأقربها من المبدأ الأول ( تعالى ) عالم العقول المجردة ، لتمام فعليتها وتنزه ذواتها عن شوب المادة والقوة ، ويليه عالم المثال المتنزه عن المادة دون آثارها ، ويليه عالم المادة موطن كل نقص وشر ، ولا يتعلق بما فيه علم إلا من جهة ما يحاذيه من المثال والعقل . الفصل الثالث ينقسم العلم انقساما آخر إلى كلي وجزئي والمراد بالكلي ما لا يتغير بتغير المعلوم بالعرض ، كصورة البناء التي يتصورها البناء في نفسه ليبني عليها ، فالصورة عنده على حالها قبل البناء ، ومع البناء ، وبعد البناء ، وإن خرب وانهدم ، ويسمى : " علم ما قبل الكثرة " ، والعلوم الحاصلة من طريق العلل كلية من هذا القبيل دائما ، كعلم المنجم بأن القمر منخسف يوم كذا ساعة كذا إلى مدة كذا يعود فيه الوضع السماوي بحيث يوجب حيلولة الأرض بينه وبين الشمس ، فعلمه ثابت على حاله قبل الخسوف ، ومعه ، وبعده . والمراد بالجزئي ما يتغير بتغير المعلوم بالعرض ، كما إذا علمنا من طريق الإبصار بحركة زيد ، ثم إذا وقف عن الحركة تغيرت الصورة العلمية من الحركة إلى السكون ، ويسمى : " علم ما بعد الكثرة " . فإن قلت : التغير لا يكون إلا بقوة سابقة ، وحاملها المادة ، ولازمه كون العلوم الجزئية مادية ، لا مجردة . قلنا : العلم بالتغير غير تغير العلم ، والمتغير ثابت في تغيره ، لا متغير ، وتعلق العلم به [1] - أعني حضوره عند العالم - من حيث ثباته ، لا تغيره ، وإلا لم يكن