responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 2  صفحه : 654


الله سبحانه بهذا الجهل أصحاب الهموم فهو رحمة في حقهم فإنهم لو شاهدوا تحديدا لهم في كل زمان فرد لم يزل عذابه كبيرا عندهم وآلامه متضاعفة فلما حيل بينهم وبين هذه المشاهدة وتخيلوا أن الهم الأول هو الذي استصحبهم لم يقم عندهم مقام فجأته في الفعل وهان عليهم حمله للاستصحاب الذي تخيلوه رحمة من الله بهم وتخفيفا عنهم إلا في جهنم فإن أهلها مع الأنفاس يشاهدون تجديد العذاب وكلامنا إنما هو في هذه الدار الدنيا محل الحجاب إلا للعارفين فإن لهم مقام الآخرة في الدنيا فلهم الكشف والمشاهدة وهما أمران يعطيهما عين اليقين وهو أتم مدارك العلم فالعلم الحاصل عن العين له أعظم اللذات في المعلومات المستلذة فهم في الآخرة حكما وفي الدنيا حسا وهم في الآخرة مكانة وفي الدنيا مكانا ثم يتصل لهم ذلك بالآخرة من القبر إلى الجنة وما بينهما من منازل الآخرة وهو قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا وهي ما هم فيه من مشاهدة ما ذكرناه وفي الآخرة من القبر إلى الجنة فهو نعيم متصل فهذا نعيم العارفين وليس لغيرهم هذا النعيم الدائم ثم إن الحق سبحانه وتعالى في هذا المنزل أمر عبده المعتنى به أن يكون مع خلقه كما كان الحق معه في مثل هذا المشهد وكل ما يؤدي إلى سعادتهم وذلك بالنصيحة والتبليغ ليس بيده من الأمر غير هذا فللعارف إيضاح هذا الطريق الموصل إلى هذا المقام والإفصاح عنه وليس بيده إعطاء هذا المقام فإن ذلك خاص بالله تعالى قال تعالى يا أيها الرسول بلغ فلما بلغ قيل له ما عليك إلا البلاغ ليس عليك هداهم إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وما أحسن قوله في الحقائق وهو أعلم بالمهتدين فإن العلم أنما يتعلق بالمعلوم على ما هو المعلوم عليه وقال لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين فوظيفة الرسل والورثة من العلماء إنما هي التبليغ بالبيان والإفصاح لا غير ذلك وجزاهم جزاء من أعطى ووهب والدال على الخير كفاعل الخير فإن الدلالة على الخير من الخير فيتضمن هذا المنزل من علم الاستناد والمستند إليه أعظم الاستنادات وهو الاستناد الإلهي وهو استناد الأسماء الإلهية إلى محال وجود آثارها لتعيين مراتبها واستناد المحال إلى الأسماء الإلهية لظهور أعيانها فهذا أعلى الاستنادات وأعلى المستندات إليها وقد رمينا بك على الطريق فأدرج عليه نازلا وصاعدا ومن هنا يعرف ما تخبط فيه الناس من تفضيل الفقر على الغني والغني على الفقر والخوض في هذه المسألة من الفضول الذي في العالم والجهل القائم به فإن الحالات تختلف والمنازل تختلف وكل حالة كمالها في وجود عينها فالله يقول أعطى كل شئ خلقه فما تركت هذه الآية لأحد طريقا إلى الخوض في الفضول لمن فهمها وتحقق بها غير إن الفضول أيضا من خلق الله فقد أعطى الله الفضول خلقه ثم هدى أي بين أن من قام به الفضول فهو المعبر عنه بالمشتغل بما لا يعنيه وجهله بالأمر الذي يعنيه والفقر في عينه كامل الخلق لا قدم له في الغني والغني في حاله كامل الخلق لا قدم له في الفقر ولو تداخلت الأمور لكان الفقر عين الغني والغني عين الفقر إذ كان كل واحد منهما من مقومات صاحبه والضد لا يكون عين الضد وإن اجتمعا في أمر ما فلا يجتمع الغني والفقر أبدا فليس للفقر منزلة عند الله في وجوده وليس للغنى منزلة عند العبد في وجوده فكما لا يقال الله أفضل من الخلق أو الخلق كذلك لا يقال الغني أفضل من الفقر أو الفقر أفضل من الغني فالفقر صفة الخلق والغني صفة الحق والمفاضلة لا تصح إلا فيمن يجمعهما جنس واحد ولا جامع بين الحق والخلق فلا مفاضلة بين الغني والفقر قال تعالى في الغني إن الله غني عن العالمين وقال في الفقر يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فمن قال بعد علمه بهذا الغني أفضل من الفقر أم الفقر أفضل كمن قال من أفضل الله أم الخلق وكفى بهذا جهلا من قائله وأما الذي بأيدي الناس الذي يسمونه غني فكيف يكون غني وأنت فقير إليه غير مستغن في غناك عن غناك فغناك عين فقرك وهذا على الحقيقة لا يسمى غنى فكيف تقع المفاضلة ما بين ما له وجود حقيقي وهو الفقر وبين ما ليس له وجود حقيقي وهو غناك وإذا سمي الإنسان غنيا فهو عبارة عن وجود السبب المؤثر عنده فيما له فيه غرض في الوقت فيكون بذلك السبب غنيا فيما يفتقر إليه لوجوده به فهو الفقير الذاتي في غناه العرضي وإذا لم يكن عنده وجود السبب المؤثر فيما افتقر إليه سمي فقيرا من غير غنى فالفقر له في الحالين معا لأن ذاته له في الحالين معا والأمر إذا كان على هذا فطلب المفاضلة جهل بين الوصف الحقيقي والإضافي العرضي ومما يتضمنه هذا المنزل ما يلزم العالم والمتعلم والسائل والمسؤول فلنبين من ذلك طرفا لمسيس الحاجة إليه فإنه

654

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 2  صفحه : 654
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست