نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 653
بصيرا خرج عن صدره فرأى فالأسباب صدور الموجودات والموجودات كالقلوب فما دام الموجود ناظرا إلى السبب الذي صدر عنه كان أعمى عن شهود الله الذي أوجده فإذا أراد الله أن يجعله بصيرا ترك النظر إلى السبب الذي أوجده الله عنده ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده جعله الله بصيرا فالأسباب كلها ظلمات على عيون المسببات وفيها هلك من هلك من الناس فالعارفون يثبتونها ولا يشهدونها ويعطونها حقها ولا يعبدونها وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس يعبدونها ولا يعطون حقها بل يغصبونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها فما تسمع أحدا من الناس إلا وهو يقول ما ثم إلا الله وينفي الأسباب فإذا أخذته بقوله أو نزلت به نازلة شاهد السبب وعمي عمن أثبته وكفر به وآمن بما نفاه فإذا اتفق لبعض الناس أن تلك النازلة ما ارتفعت بهذا السبب الذي استند إليه وانقطعت به الأسباب حينئذ يكفر بها ويرجع إلى الله خالق الأسباب فلم يدر بما ذا كفر ولا بما به آمن ولم يدر ما معنى السبب ولا غيره إذ لو علم إن السبب لا يصح إلا أن يكون عنه المسبب لعلم أن السبب الذي استند إليه في رفعه لهذه النازلة لم يكن سببها بوجه من الوجوه إذ لو كان سببها لرفعها وإنما كان ذلك السبب في منعه رفع النازلة سببا في رجوعه إلى الله في رفعها فلم يزل في المعنى تحت تأثير الأسباب فإن الأسباب محال رفعها وكيف يرفع العبد ما أثبته الله ليس له ذلك ولكن الجهل عم الناس فأعماهم وحيرهم وما هداهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم بالروح الموحي من أمر الله فيهدي به من يشاء من عباده فقد أثبت الهداية بالروح وهذا وضع السبب في العالم فالوقوف عند الأسباب لا ينافي الاعتماد على الله ولهذا جعل سبحانه الأسباب مسببات لأسباب غيرها من الأدنى حتى ينتهي فيها إلى الله سبحانه فهو السبب الأول لا عن سبب كان به نعم سبب الكون المرتبة لا الذات وسبب المرتبة الكون فسبب الكون في الإيجاد المرتبة وسبب المرتبة في المعرفة الكون فافهم فلما أضاء النهار للحركة وقعت الولادة للأشياء بها فطهرت الأعيان في عالم الحس غالبا وهبت الرياح في البحار فتلاطمت الأمواج وجرت السفن ورمت البحار ما فيها لتلاطم الأمواج ولما أظلم الليل للسكون سكنت الرياح وسكنت الأمواج وأمسك البحر ما فيه غالبا وظهرت الولادة في البرزخ فكانت الأحلام ورؤيا المبشرات والمفزعات كالصورة القبيحة والجميلة في صور المولدات في الحس من الأفعال والنشآت وأغلب وقوع هذا في صدر الليل وفي صدر النهار لأن الرياح لا نهب إلا بعد طلوع الشمس حينئذ تكون الرياح كما إن رياح النصر لا تهب إلا في صدر العشي وهو بعد الزوال ولهذا يستحب فيه القتال ولما كان الليل محلا للسكون والمسامرة ولا يبيت شخص إلا مع من يحبه ويسكن إليه غالبا ولا يسامر إلا من يأنس به لذلك كان الليل أصل المودة والرحمة حتى إن الذين تعذبهم الملوك لا تعذبهم إلا بالنهار غالبا وأما الليل فلا لأن المعذب يتعذب بالليل إذا عذب للسهر وعدم النوم والذي يلحقه فالليل زمان السكون والراحة والمعذب لا يريد أن يعذب نفسه فيترك العذاب إلى النهار الذي هو محل الحركة فأصل الود والمحبة موجود من الليل وضده موجود بالنهار ثم إن الغيبة أعني غيبة المحبوب عن المحب غيبة تعليم وتأديب لما تعطيه المحبة فإن المحب إذا كان صادقا في دعواه وابتلاه الله بغيبة محبوبه ظهرت منه الحركة الشوقية إلى مشاهدته فيصدق دعواه في محبته فيعظم منزلته وتتضاعف جائزته من التنعيم بمحبوبه فإن اللذة التي يجدها عند اللقاء أعظم من لذة الاستصحاب كحلاوة ورود الأمن على الخائف لا يقوي قوتها حلاوة الأمن المستصحب فهو يزيد به تضاعف النعيم ولهذا أهل الجنة في نعيم متجدد مع الأنفاس في جميع حواسهم ومعانيهم وتجليهم فهم في طرب دائمون فلهذا نعيمهم أعظم النعيم لتوقع الفراق وتوهم عدم المصاحبة ولجهل الإنسان بهذه المرتبة يطلب الاستصحاب والعالم يطلب استصحاب تجديد النعيم والفرق بين النعيمين حتى يقع الالتذاذ بنعيم جديد كما هو في نفس الأمر وإن لم يعرفه كل إنسان ولا شاهدته كل عين ولا عقل فهو متجدد مع الآنات في نفس الأمر وللجهل القائم بهذا الشخص لعدم مشاهدته التجديد في النعيم يقع الملل فلو ارتفع عنه هذا الجهل ارتفع الملل من العالم فالملل أقوى دليل على جهل الإنسان بالله في حفظ وجوده عليه وتجديد آلائه مع الأنفاس فالله يحققنا بالكشف الأتم والمشهد الأعم فما أشرف عين اليقين وما أسعد صاحب مشاهدة الأمور على ما هي عليه ولكن راعى
653
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 653