نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 360
أعلم . قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة . وكلها - في الأغلب - تستدعي الاختلاط بالناس ، والدخول في معمعة المجتمع وعدم الانعزال عنه . إذن فالرهبانية هنا قد جردت من مفهوم الانعزال والوحدة ، وبقيت مقتصرة على فكرة الرهبة التي هي الخوف المتعالي من اللَّه عزّ وجلّ . ومن المعلوم أن المهم أمام اللَّه عزّ وجلّ هو التكامل . وهذا التكامل له أحد أسلوبين : الأسلوب الأول : الانفراد لذكر اللَّه عزّ وجلّ وعبادته . الأسلوب الثاني : أداء الخدمات الإنسانية للآخرين في حدود طاعة اللَّه عزّ وجلّ . ومهما يكن الأسلوب الأول قد يكون أقرب إلى النفس وأقرّ للقلب والعين ، إلَّا أن الأسلوب الثاني يضمن التكامل للفرد مع الإخلاص وحسن النية أسرع بكثير ممّا يضمنه له الأسلوب الأول . لأن الفرد يكون فيه في امتحانات دائمة ومختلفة ، تجاه مختلف الأفراد والجماعات ذوي الآراء المختلفة والتصرّفات المتباينة والمستويات المتعددة ، الأمر الذي يجعله تحت المحك مباشرة . فيكون مثاله : كالذهب الذي لا ينقى إلَّا بالنار . ومن المعلوم أن التكامل الذي يحدث نتيجة للتعب والامتحان أسرع وأعلى من التكامل الذي يحدث نتيجة للراحة والاستسلام الذي يوفّره للفرد الأسلوب الأول . وهذا هو الفرق بين الرهبة الحقيقية الصحيحة والرهبة التي يتخذها المترهبون والصوفيون . على أننا لا ننكر أن مسلك الانعزال مؤثّر فعلا في التكامل أيضا . ولا ينبغي الاعتراض على من يفضله ويتخذه في حياته من هذه الزاوية ، إذا كان مخلصا في نيّته ومؤدّيا لتعاليم شريعته . وأما الأمور التي قلنا إنها تتوقف على اللقاء بالمجتمع : فيكون هذا الفرد قد أدّاها ، أو يشعر بعدم تكليفه الشرعي بوجوب السير فيها أو
360
نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 360