نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 352
افتراض أن الكتابة متقدمة على العطاء . فقد كتبها سبحانه عليهم وأعطاهم التجاوب مع هذه الكتابة ، والإطاعة لها وتطبيقها في حياتهم . فيكون قوله * ( ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ) * يعني ما كتبناها عليهم حين كتبناها . وذلك في عصر نبيّهم المسيح عليه السلام . وإلَّا فكيف بلغهم أن اللَّه تعالى كتبها عليهم إذا كان ذلك بعده . الأمر التاسع : أن الآية الكريمة تدل على أن هذا الجيل من الذين اتبعوا المسيح عليه السلام : قد ابتدعوا الرهبانية . والابتداع مصدر مزيد من الإبداع وهو بمعناه . وهو الإيجاد على غير مثال سابق . وهذا له عدة مصاديق . أولا : أن اللَّه سبحانه * ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ ) * يعني أنه خلقها على غير مثال سابق . ثانيا : البدعة في الدين ، لأنه إحداث لشيء لم يكن فيه سابقا . ثالثا : كل من يكشف نظرية أو يكتشف جهازا مثلا فهو مخترع ومبتدع ، لأنه جاء بشيء لم يسبق له مثيل . رابعا : هذه الرهبانية التي لم يكن لها وجود قبل ذلك كما أشرنا . وإنما السؤال الآن عن نسبتها إليهم بقوله * ( ابْتَدَعُوها ) * . وجوابه : أن القرآن الكريم في كثير من الآيات نسب الأشياء إلى أسبابها تارة وإلى اللَّه عزّ وجلّ أخرى . فمثلا : قال * ( احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) * [ هود : 40 ] . فالذي يحمل في السفينة هو نوح النبي عليه السلام . وقال * ( وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ) * [ مريم : 58 ] . يعني أن الذي حملهم على السفينة هو اللَّه سبحانه . ومثاله الآخر * ( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ ) * [ الواقعة : 71 ] . فإيجاد النار منسوب في نفس الوقت إلى اللَّه عزّ وجلّ وإلى البشر . وهذا صحيح في الفلسفة ، كما ثبت في محله . والرهبانية في هذه الآية الكريمة منسوبة بكلتا النسبتين : فهي منسوبة
352
نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 352