نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 349
حقيقيا ، يشهد اللَّه له في الآية بالاتباع . وإنما ذاك صورة الاتباع وليس واقعا . الأمر الثالث : أن الرهبانية من الرهبة . وهي درجة عالية من درجات الخوف من اللَّه عزّ وجلّ . قال اللَّه عزّ وجلّ * ( لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) * [ الأعراف : 154 ] . والرهبانية مصدر اصطناعي استعمل في القرآن بدل المصدر الأول أو الحقيقي أعني الرهبة ، للتمييز بين الأمرين بمقدار ما . وما ندركه من التمييز بينهما : أن الرهبة ، مجرد عاطفة نفسية أو قلبية . ولكن الرهبانية هي هذه الرهبة بالذات مع ما تستتبعه من سلوك حياتي معين . هو في الأغلب الانقطاع عن الناس وترك طريق الدنيا على العموم . وسيأتي فيما بعد إن شاء اللَّه ما إذا كان هذا هو الطريق المنحصر للرهبة أم لا . الأمر الرابع : ممّا نفهمه من الآية الكريمة : أن الرهبانية : مكانها الأصلي هو القلب . * ( وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوه ُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ) * . فهي عطاء من اللَّه عزّ وجلّ موطنه قلوب أولئك الذين اتبعوا نبيّهم اتباعا حقيقيا . والقلب هو ( ظرف ) العواطف . كما أن العقل هو ( ظرف ) الإدراك والفكر . والرهبانية أو الرهبة من أجلّ العواطف تجاه اللَّه عزّ وجلّ ، وتحصل عندما يدرك الفرد بوضوح موقفه المتصاغر كعبد ذليل خاضع للَّه الربّ القوي العظيم . فتحدث في قبله الرهبة والخشية وفي جسمه الرعدة وفي وجهه الصفرة وفي فكره الذلة وفي نفسه الضعة أمام اللَّه العلي العظيم . الأمر الخامس : الرهبة هي الاستعظام يعني الشعور بأن الطرف الآخر عظيم وجليل ومرهوب الجانب . وهذا قد يحدث للأمور الدنيوية ، كبعض الأعمال الصعبة ولذا قيل في المثل : إذا هبت أمرا فقع فيه . والهيبة والرهبة متشابهان في هذا المجال .
349
نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 349