نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 2 صفحه : 348
لأن الاعتكاف يحتوي على مواصلة البقاء في المسجد ثلاثة أيام متواصلة مع الصوم والذكر للَّه عزّ وجلّ . فقد يأتي إلى الذهن كونه نوعا من الرهبانية ، ومن هنا تصدّى لنفي ذلك وقال [1] : وهو مشروع إجماعا وقرآنا وسنّة . ويبدو أن الشريعة الإسلامية بعد أن ألغت فترة الترهّب والاعتزال عن الحياة الدنيا واعتبرتها فكرة سلبية خاطئة * ( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ) * [ الحديد : 27 ] . شرّعت الاعتكاف ليكون وسيلة موقوتة وعبادة محدّدة تؤدى بين حين وآخر ، لتحقيق نقله إلى رحاب اللَّه يعمّق فيها الإنسان صلته بربّه ويتزوّد بما تتيح له العبادة من زاد . ليرجع إلى حياته الاعتيادية وعمله اليومي وقلبه أشد ثباتا وإيمانه أقوى فاعلية . وينبغي أن نتكلم تعليقا على هذا المضمون في عدة جهات لنخلص في النهاية إلى ما هو المفهوم من فلسفة الاعتكاف . الجهة الأولى : في الإشارة أي معنى الآية الكريمة التي اعتبرها المؤلف نهيا وشجبا للترهّب أو الرهبانية . فهل هي كذلك حقا ؟ قال اللَّه تعالى * ( ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . وَآتَيْناه ُ الإِنْجِيلَ ، وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوه ُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ، ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ ا للهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها . فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) * [ الحديد : 27 ] . ويمكن أن نفهم من هذه الآية الكريمة عدة أمور : الأمر الأول : أن هذه الرهبانية بمنطوق الآية من عطاء اللَّه سبحانه للذين اتبعوا النبي عيسى ابن مريم عليه السلام . وقد عدّها اللَّه سبحانه إلى جنب الإنجيل ليكونا معا مفخرة من مفاخر دين هذا النبي الكريم . الأمر الثاني * ( ( الَّذِينَ اتَّبَعُوه ُ ) ) * هم الذين اتبعوه بحق بطبيعة الحال ، كما هو ظاهر الآية الكريمة . لأن من يدّعي الاتباع بالباطل لا يكون تابعا