وحينئذ فإذا رأينا اختلاف الفتوى في مسألة بين مجتهدين يمكن أن يكون عثر أحدهما اتّفاقا أو لأعماله الفحص زيادة على المقدار اللازم على خبر في غير مظانه ، مثل باب غير مرتبط بهذا الباب ، أو أصل غير موجود في الأيدي مثل بعض الأصول الذي ظفر بها المحدّث العلَّامة النوري - قدّس اللَّه سرّه - ، ويكون الآخر لعدم عثوره بعد الفحص المتعارف في المظان رجع إلى الأصل في المسألة فكلاهما قد حاز الوظيفة الواقعيّة وفاز بالصواب في الاجتهاد والاستنباط . ويمكن أن يكون كلاهما عثرا على الرواية ولكن أحدهما بعد الفحص في مظانّ الاستعلام عن المدلول العرفي لألفاظها وصل إلى الواقع ، والآخر بعد هذا الفحص عجز عن الجزم به وبقي على التردد والشك فرجع إلى ما هو الأصل في المسألة فإنّهما أيضا مصيبان في الاجتهاد غير مخطئان في الاستنباط . ويمكن أن يكون أحدهما حصل له القطع بملاحظة تتبّع عدّة من الأخبار ، أو الإجماع المحصّل بملاحظة تتبّع عدّة من الفتاوى فأفتى بمضمونها ، ولم يحصل ذلك للفقيه الآخر فرجع إلى الأصل في المسألة ، فإنّ حصول القطع من عدد المخبرين ومن عدد الفتاوى أمر يختلف فيه أوساط الناس الغير الخارجين عن حدّ التعارف والاعتدال فيمكن كون القاطع وغير القاطع معا مصيبين في الاستنباط ؛ لعدم خروج الأوّل في قطعه ولا الثاني في ترديده عن المتعارف . نعم بعضا ما يكون الاختلاف ناشئا من الخطأ في الاستنباط كما إذا اختلفا في الاستظهار من الرواية فاستظهر أحدهما شيئا وجزم بأنّه المدلول العرفي واستظهر الآخر خلافه وجزم بأنّه المتبادر والمتفاهم لدى العرف ، فإنّه حينئذ لا محالة يكون أحدهما مخطئا في الاستنباط لكن هذا في جنب غيره نادر في خصوص المجتهدين