وإن شئت قلت : الأمر دائر بين أحد أمور ثلاثة : حمل النواهي على مطلق الكراهة حتّى يفيد الاستثناء نفي أصلها ، وحملها على شدة الكراهة حتّى يفيد الاستثناء نفي الشدّة مع ثبوت الأصل ، وحمل المطلقات الواردة في مقام البيان على الفرد النادر مع عدم إشعار فيها بذكر القيد ، والحمل الأوّل خلاف الإجماع فيدور بين الأخيرين ، والإنصاف أنّ الثاني أقرب من الثالث ، بمعنى أنّ الثاني أيضا حمل وتوجيه ولكنّه أخفّ من الثالث فتدبّر . وبالجملة : لو فرضنا دوران الأمر بين القولين إمّا الحرمة في غير التولية والإباحة فيها وإمّا الكراهة الشديدة في غيرها والخفيفة فيها بحيث كان القول بأصل الكراهة في غيرها والإباحة فيها خلاف الإجماع فالأظهر حمل الروايات على المعنى الثاني لما في الأوّل من حمل المطلقات على الفرد النادر ، غاية الأمر يصير المعنى حينئذ كما يقال في الفارسيّة ( از غير توليه بدم مى آيد وخوش ندارم باز مگر توليه باشد ) ، فإنّ الإنسان يفهم منه أصل الكراهة في التولية وهو في نفسه وإن كان بعيدا لكنّ الأوّل أبعد منه . بقي الكلام في أنّ الأخبار المانعة بين ما علَّق الجواز على القبض وبين ما علَّقه على الكيل والوزن ، فيكون مثل قضيّة ( إذا خفي الأذان فقصّر ) وقضيّة ( إذا خفي الجدران فقصّر ) ذا احتمالات : أحدها : أن يكون كلّ من الأمرين سببا مستقلَّا ، والثاني : أن يكونا معا سببا فلا يكفي أحدهما ، والثالث : أن يكون أحدهما كناية عن الآخر فإنّه يصحّ جعل أحد العنوانين المتلازمين في الوجود غالبا كناية عن الآخر ، والشاهد على بطلان استقلاليّتهما خبر معاوية بن وهب قال : « سألت أبا عبد اللَّه - عليه السلام - عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ؟ فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتّى تكيله