فإن قلت : بعد فرض الاتّفاق في المفهوم الحال لا يخلو من أمرين ، إمّا أن نقول بالتقييد بمعنى أنّه أراد من لفظ البيع معناه وقيّده بالعرفيّة ، وإمّا أن نقول بإطلاق اللفظ وإرادة معناه بدون تصرّف فيه ، ولا إشكال أنّ الأوّل خلاف الظاهر إذ الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمريّة والأنظار طريق إلى تعيينها لا أنّها مأخوذة في معانيها ، فتعيّن الثاني ، ومن المعلوم أنّ لازم ذلك سراية الحكم إلى ما للمفهوم من المصاديق الواقعيّة النفس الأمريّة دون ما يراها العرف مصداقا له خطأ ، وعلى هذا فالنواهي الواردة في البيوع الفاسدة ليست على حقيقتها إذ كونها على وجه الحقيقة فرع تحقّق المصداق للمبادلة النفس الأمريّة في تلك الموارد ، والمفروض عدمها ، فمعنى لا تبيعوا : لا تريدوا إيقاع المبادلة ، لأنّها لا تقع في هذه الموارد . قلت : لو فرض كون الناهي واحدا من الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيده فهل يشكّ أنّ النهي يتعلَّق بالمبادلة بلحاظ المصاديق العرفيّة مع ما هي عليه من الخطاء في التطبيق في كثير من الموارد ؟ مع أنّ هذا المولى لم يتصرّف في لفظ البيع ولم يخرجه عن حقيقته ولا تصرّف في النهي بجعله بمعنى طلب ترك إرادة الإيقاع ، فكما تصوّرنا ذلك في أهل العرف الغير الملتفتين إلى الواقع فنقول في حقّ الشارع أنّ الفرق بينه وبين ذلك المولى العرفي أنّه ملتفت إلى حقيقة الحال ، فلا يتمشّى في حقّه التطبيق الخطائي كما تمشّي في حقّ ذلك المولى . ولكن إذا تكلَّم الشارع مع أهل العرف مع ما يراهم عليه من التطبيق الخطائي بحيث لا يرى من يسلم عن هذا الخطاء إلَّا الأوحديّ المتوغَّل في العلميات والناشئ في الدقيّات فلا محالة لا بدّ من صرفه النظر عن اطَّلاع نفسه بحقيقة الحال وتنزّل نفسه عن تلك المرتبة ويتكلَّم على قدر عقول المخاطبين ،