وحينئذ فيمكن أن يقال : إنّ المراد من قوله : « احتاجوا » هو مطلق الحاجة وهو غير الفقر الشرعي ، فإنّه كما أفاده - قدّس سرّه - يجتمع مع إمكان التوسّل لرفع الحاجة بل إلى التوسعة بمال الفقراء ، ومعنى الحاجة على وجه الإطلاق أن لا يكون محيص ومخلص سوى بيع مال الوقف وهذا ينطبق على الضرورة الشديدة ، فإنّه يقال في من لا يملك شيئا ينفقه في قوته وسدّ رمقه وليس له وسيلة إلى تحصيله بوجه من الوجوه إلَّا بيع الوقف وصرف الثمن في شراء ذلك : إنّه محتاج إلى البيع بقول مطلق ، ولو فرض أنّ له طريقا آخر للتخلَّص لا تصدق الحاجة إلى خصوص البيع كذلك حتى لو كان الطريق الآخر بيع ما يستثني في الدين من الدار وأثاث البيت وغير ذلك . وهكذا يقال لمن شدّد الأمر عليه دائنه أو الظالم ولم يمهلاه ، ولا هو قادر على الاستقراض وانحصر طريق الخلاص في بيع الوقف ، ومنه يعلم استفادة قيد الشدّة أيضا ، فإنّ الحاجة الجزئيّة لا يحوج الإنسان ولا يلجئه إلى البيع لأنّه يقدر على تركها والإغماض عنها أيضا ، فالإلجاء إنّما يتحقّق مع عدم إمكان الإغماض عنها ولا وجدان طريق آخر لرفعها وإنجاحها ، هذا هو الكلام في الفقرة الأولى . وأمّا الثانية ، أعني : قوله : « لم يكفهم ما يخرج من الغلَّة » فيمكن أن يقال : إنّه حيث لم يذكر متعلَّق عدم الكفاية فإنّه قد يضاف إلى مؤنة السنة فيقال : هذا المال لا يكفي لمؤنة السنة ، فلا ينافيه كفايته لمؤنة ستّة أشهر مثلا ، وقد يضاف إلى مؤنة شهر فلا ينافي الكفاية لما دونها ، وهكذا إلى أن يصل إلى أقل مراتب الكفاية وهو الكفاية لإطعام الشخص في مجلس واحد ، فالسلب الكلَّي للكفاية إنّما يصدق إذا انتفى جميع هذه المراتب ، ضرورة عدم صدق السلب الكلَّي مع الإيجاب