بأن كان حال المنشأ هنا حال الماء المتغيّر بالنسبة إلى عرض النجاسة حيث إنّ قيد التغيّر علَّة محدثة لا مبقية ، فكذلك هنا أيضا العين الموقوفة صارت ملكا بالطريق المتقدّم ، فمن الممكن كون قيد الموقوفيّة علَّة محدثة لا مبقية ، فإذا جاء هذا الاحتمال كان المجرى للاستصحاب . لا يقال : على ما ذكرت من أنّ المنشأ هو الإضافة المطلقة بالنسبة إلى العين لا المقيّدة بمدّة العمر ، فما دامت العين معمورة لم يجز للبطن الأوّل البيع ، لمنافاته مع الحبس الذي فرض في مدلول الوقف . وأمّا إذا صارت خربة وبطل الوقف والحبس الذي في ضمنه فما المانع حينئذ من بيع هذه الطائفة الأولى لأنفسهم وأكلهم ثمنه ، كما أنّ الأب يجوز له البيع ولا يلزم عليه رعاية الابن . لأنّا نقول : لإنشاء الواقف أثران : سلطنة قويّة للبطن الأوّل تسمّى ملكا ، وضعيفة للبطن اللاحق تسمّى حقّا ، وهي حقّ أن يبقى العين فيتلقّاها من البطن الأوّل ، إذ هذا أيضا شيء ينتزعه أهل العرف ، وبه يمتاز عن مسألة الأب والابن ، فكما نستصحب الملكيّة للبطن الأولى كذلك نستصحب الحقّ للطائفة اللاحقة ، وليس هذا الاستصحاب محكوما للأدلَّة الاجتهادية المقتضية لتسلَّط الملَّاك على أموالهم ونفوذ تصرّفاتهم في أموالهم ، فإنّ الموضوع فيها أموال أنفس الملَّاك لا حقوق سائر الناس ممّن عداهم ، فالمنع عن التصرّف لكونه في متعلَّق حقّ الغير ليس تخصيصا في تلك القواعد بل خروج موضوعي . وعلى فرض التنزّل وكون ذلك تخصيصا فيها بواسطة قوله : « لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال الغير إلَّا بإذنه » وما يشابهه ، فالاستصحاب أيضا جار لكونه منقّحا لموضوع الدليل المخصص . وبالجملة : الاستصحاب إمّا مخرج للموضوع