ولكنّ العامي شاكّ ويرى أنّ كلَّا من الرأيين في حقّه طريق وليس أحدهما مزيلا لشكَّه بالنسبة إلى الواقع حتّى يكون هو واردا على الآخر . وبعبارة أخرى يرى صلاة الجمعة في حقّه كغيره واقعا حقيقيّا ومؤدّى قول الميّت واقعا جعليّا بدليّا ، وبعد ما كان المطلوب من العباد أعم من الحقيقي والجعلي فأين الملزم والمرجّح له لاختيار الرأي الثاني لهذا المقلَّد وإفتائه إيّاه ببقائه على حاله السابقة . وبعبارة أخرى بالفرض هو خبير بأحكام اللَّه لا بخصوص هذه المسألة إذ الخبير خبير في تمام الأحكام . إن قلت : بالفرض المقلَّد شاكّ في أنّ المرجع له في الفروع هذا أو الميّت ؟ قلت : يعني لا يعلم أنّ أيّا منهما تكليفه بحسب الواقع ، لكن يعلم أنّ كلا كان تكليفه فهو عند هذا العالم فهذا العالم بأيّ شيء أفتاه يتقبّله هو ولا يشكّ في أنّه واقع تكليفه ، وبعد ما كان هو بهذه المثابة باعتقاد العامي المعترف له بذلك هذا العالم أيضا ، والمفروض أنّ له في البين رأيين كلاهما ممكن التحقّق والصدق واقعا لأنّ الجمع بينهما كلّ في موطنه بمكان من الإمكان كما مرّ في الجمع بين كلّ واقعي وظاهري ، فلو أمكن للعامي الجمع بينهما عملا تعيّن على العالم إفتاؤه بمقتضى كلا الرأيين ، فإذا امتنع الجمع عملا فما المعيّن له بالإفتاء بخصوص البقاء على تقليد الميّت والمانع له عن رجوعه في الفروع إلى نفسه ، فهل دليل خبرويّته خاص بالأوّل أو أنّه لا يرى ما رآه برأيه من الفروع تكليفا لمن عدا نفسه من المكلَّفين ، وقد فرضنا أنّ كلا من هذين خلاف الواقع ، وليس تعيين الأخذ بفتوى الميّت الثابت في حال حياته المستصحب بعد مماته إلَّا كتعيين صلاة الجمعة المقطوع به بالدليل القاطع أو المدلول عليه بالدليل القطعي .