الاطَّلاع به فيمكن منع بناء العقلاء على الرجوع فيها إلى الأعلم متعيّناً . فترى الناس يراجعون إلى طبيب ويعملون بقوله ، وإن كان يوجد أعلم منه في البلد ، فضلًا عن غيره . فإن قلت : إنّ ذلك في الأُمور اليسيرة كالأمراض السهلة ، وأمّا في الأُمور الخطيرة كالأمراض المهلكة فيراجعون بقدر الوسع والطاقة إلى أعلم أطباء البلد . بل قد يرحلون إلى بلاد نائية للرجوع إلى طبيب أعلم ممّن كان في البلد . وفي قباله قد يراجعون في الأمراض غير المهمّة إلى قول غير أهل الفنّ . فليس في مسألة التقليد ضابط كلَّي عند العقلاء حتّى يعوّل عليه في تقليد الأحكام الشرعية . ولمّا كانت الأحكام الشرعية أهمّ الأُمور ، ويترتّب عليها الفوز والثواب العظيم والأمن من عذاب الله ، وفي مخالفتها الوقوع في الهلاك والابتلاء بالعقوبة الشديدة الأُخروية لا بدّ للمكلَّف من إنهاء وسعه في تحصيل الطريق إليها . فكما أنّ الفقيه لا يعذر ولا يأمن من العقوبة إذا قصر في تحصيل الاطَّلاع بأصحّ طرقه إلى الحكم الشرعي ، كذلك العامّي . وطرقه إليها فتاوى الفقهاء فعليه الأخذ بقول أعلمهم . قلت : المعيار في وجوب تقليد الأعلم في كلّ مسألة هو الأعلم في تلك المسألة وتشخيص ذلك ينجرّ إلى الحرج والعسر المنفيين في الشريعة . فإن قلت : إنّ قول غير الأعلم إذا كان مطابقاً لقول من تقدّم من الفقهاء ممّن هو أعلم من فقهاء عصرنا كان أقرب طريقاً إلى الواقع من قول غيره لا سيّما إذا كان مطابقاً لمشهور فطاحل الفقهاء الماضين ، الذين كانت آراؤهم إذا لوحظت بأجمعها كان احتمال مطابقة رأي من خالفهم للواقع ضعيفاً جدّاً عند المتشرّعة . قلت : إنّما يلاحظ فتوى فقهاء العصر في طول فتوى من تقدّمهم فيكون فتواهم كسائر الطرق إلى الواقع كالخبر الواحد وغيره من الطرق والأمارات