فقوله حلو ومر يجري مجرى الاستعارة إذ ليس في الإنسان ولا في شمائله ما يذاق بحاسة الذوق ومن أمثلة التكافؤ قول ابن رشيق وهو حسن وقد أطفؤا شمس النهار وأوقدوا * نجوم العوالي في سماء عجاج ومثله إن هذا الربيع شيء عجيب * تضحك الأرض من بكاء السماء ذهب حينما ذهبنا ودر * حيث درنا وفضة في الفضاء وما أحلى قول القائل في هذا الباب إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب * تحرك يقظان التراب ونائمه فالمطابقة بين اليقظان والنائم ونسبتهما إلى التراب على سبيل المجاز وهذا هو التكافؤ عند ابن أبي الأصبع وأما المطابقة الحقيقية التي لم تأت بغير ألفاظ الحقيقة فأعظم الشواهد عليها قوله تعالى وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيى وكقول النبي للأنصار رضي الله تعالى عنهم إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع فانظر إلى هذه البلاغة النبوية والمناسبة التامة ضمن المطابقة ومن الشواهد الشعرية قول الحماسي تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد * لنفسي حياة مثل أن أتقدما ولآخر لئن ساءني أن نلتني بإساءة * لقد سرني أني خطرت ببالك ولآخر في وصف فرس وأجاد وأرى الوحش في يميني إذا ما * كان يوما عنانه بشمالي والمعجز الذي لا تصل إليه قدرة مخلوق قوله تعالى وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات فانظر إلى عظم هذه المطابقة وما فيها من الوجازة ومن ذلك في الحديث قول النبي فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن ديناه لآخرته ومن الشبيبة للكبر ومن الحياة للممات فوالذي نفسي بيده ما بعد الحياة مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار انتهى ما قررته في المطابقة لغة واصطلاحا وما أوردته من الفرق بينهما وبين التكافؤ على رأي ابن أبي الأصبع ولهم مطابقة السلب بعد الإيجاب وهي المطابقة التي لم يصرح فيها بإظهار الضدين كقوله تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فالمطابقة حاصلة بين إيجاب العلم ونفيه لأنهما ضدان ومثله قول البحتري يقيض لي من حيث لا أعلم النوى * ويسري إلي الشوق من حيث أعلم فالمطابقة باطنة ومعناها ظاهر فإن قوله لا أعلم كقوله جاهل والسابق إلى هذا امرؤ القيس بقوله جزعت ولم أجزع من البين مجزعا * وعزيت قلبا بالكواعب مولعا فالمطابقة حاصلة بين إيجاب الجزع ونفيه ومن المستحسن في ذلك قول بعضهم خلقوا وما خلقوا لمكرمة * فكأنهم خلقوا وما خلقوا رزقوا وما رزقوا سماح يد * فكأنهم رزقوا وما رزقوا ومثله قول بشر بن هارون وقد ظهر منه الفرح عند الموت فقيل له أتفرح بالموت فقال ليس قدومي على خالق أرجوه كمقامي عند مخلوق لا أرجوه فالمطابقة حاصلة بين إيجاب الرجاء ونفيه انتهى الكلام على مطابقة السلب بعد الإيجاب ولهم إيهام المطابقة كما لهم إيهام التورية والشاهد على إيهام المطابقة قول الشاعر يبدي وشاحا أبيضا من سيبه * والجو قد لبس الوشاح الأغبرا فإن الأغبر ليس بضد الأبيض وإنما يوهم بلفظه أنه ضده ومثله قول دعبل