أبي الأصبع لو كان لما اضطر إلى القافية أفاد بها معنى زائدا بحيث يقول بالبشر لكان البيت نادرا وعلى كل تقدير بيت أبي دلامة أفضل من بيت المتنبي لصحة المقابلة لأنه قابل بالأضداد والمتنبي بغير الأضداد والمقابلة بالأضداد أفضل وهو مذهب السكاكي فإنه قال المقابلة أن تجمع بين شيئين متوافقين فأكثر ثم إذا شرطت هناك شيئا شرطت هناك ضده انتهى وبيت المتنبي أفضل بالكثرة عند غير السكاكي وإن المقابلة عنده لا تصح إلا بالأضداد وأسلم من بيت أبي الطيب في التركيب ما أورده الصاحب شرف الدين مستوفي أربل على رأس عبد تاج عز يزينه * وفي رجل حر قيد ذل يشينه وبيت صفي الدين الحلي كان الرضا بدنوى من خواطرهم * فصار سخطي لبعدي عن جوارهم فقابل الرضا بالسخط والدنو بالبعد ولفظة من بعن فإذا قلنا إن من ضد عن سلم له أربعة بأربعة وخواطرهم بجوارهم على مذهب من يرى أن المقابلة تجوز بالأضداد وبغيرها وبيت العميان بواطئ فوق خد الصبح مشتهر * وطائر تحت ذيل الليل مكتتم بيت العميان أمكن من بيت صفي الدين في المقابلة لأنهم قابلوا واطئا بطائر لأن الواطئ هو الماشي على الأرض والطائر السائر في الهواء وفوق بتحت وخد بذيل لما بينهما من معنى العلو والسفل والصبح بالليل ومشتهر بمكتتم وانظر لفظة مشتهر مع مكتتم وهي القافية التي لا يمكن أمكن منها ولفظة خواطرهم ومقابلتها بجوارهم في بيت صفي الدين وما بينهما من المباينة غير أن ثقل قولهم بواطئ يشق حمله على لطيف الذوق وبيت الشيخ عز الدين ليل الشباب وحسن الوصل قابله * صبح المشيب وقبح الهجر واندمي قابل بين ليل وصبح وشباب ومشيب وحسن وقبح والوصل والهجر وهي مقابلة صحيحة بين الأضداد وأتى بلفظة قابله اضطرارا لتسمية النوع وأما قوله واندمي فقافية مستدعاة أجنبية من المقابلة فإنه لم يؤهلها لمقابلة ضد ولا لغيره بل تركها بمنزلة الأجانب وبيت بديعيتي قابلتهم بالرضا والسلم منشرحا * ولوا غضابا فيا حرْبي لغيظهم قد تقرر أن الشيخ عز الدين لم يأت بلفظة قابله في بيته إلا اضطرارا لتسمية النوع فإنه لم يقابلها بشيء فانظر كيف أتيت بلفظة قابلتهم في أول البيت وقابلتها في الشطر الآخر بلفظة ولوا ومقابلة بقية الأضداد من الرضا والغضب والسلم والحرب ظاهرة وتمكين القافية بغيظهم ومقابلتها بالانشراح أظهر فإن القافية إذا كانت ممكنة وهي جارية في عداد المقابلات كانت من أعلى رتب هذا النوع كما تقدم في بيت المتنبي وبيت أبي دلامة وقافية العميان منتظمة في هذا العقد بخلاف بيت صفي الدين وبيت عز الدين انتهى ذكر الالتفات وما أروني التفاتا عند نفرتهم * وأنت يا ظبي أدري بالتفاتهم فسر قدامة الالتفات بأن قال هو أن يكون المتكلم آخذا في معنى فيعترضه إما شك فيه أو ظن أن رادا يرده عليه أو سائلا يسأله عن سببه فيلتفت إليه بعد فراغه منه فإما أن يجلي الشك أو يؤكده أو يذكر سببه كقول الرماح بن ميادة فلا صرمه يبدو وفي اليأس راحة * ولا وصله يصفو لنا فنكارمه فكأن الشاعر توهم أن قائلا يقول له وما تصنع بصرمه فقال لأن في اليأس راحة وأما ابن المعتز فقال الالتفات انصراف المتكلم عن الإخبار إلى المخاطبة ومثاله في الكتاب قوله تعالى بعد الإخبار بأن الحمد لله رب العالمين إياك نعبد وإياك نستعين وكقوله تعالى إن أراد النبي أن