وأحلى منه قوله خصر أدير عليه معصم قبلة * فكأن تقبيلي له تعنيق وغاية الغايات قوله بعثت لي على فم الطيف قبلة * فأتاني بعض المسرة جملة ومن الاستعارات الحسنة في هذا الباب قول شمس الدين بن العفيف في مديح النبي حياك يا تربة الهادي الرسول حيا * بمنطق الرعد باد من فم السحب وظريف هنا قول ابن قلاقس هدتنا للسرور نجوم راح * بها قذفت شياطين الهموم وكف الصبح تلقط ما تبدي * بجيد الليل من درر النجوم ومن اللطائف في هذا الباب قول أبي الحسن العقيلي لنا أخ يحسن أن يحسنا * رضاه للجانين عذب الجنى قد عرفت روضة معروفه * بأنها تنبت زهر الغنى إذا تبدي وجه إحسانه * تنزهت فيه عيون المنى ويعجبني في الاستعارة المرشحة قول ابن سعيد الموصلي من قصيدة يتشوق فيها إلى دمشق المحروسة فإنه أتى فيها في بيت واحد باستعارات كثيرة مع اجتناب الحشو ومطلع القصيدة قوله سقى دمشق وأياما مضت فيها * مواطر السحب ساريها وغاديها وبيت الاستعارة بعده ولا يزال جنين النبت ترضعه * حوامل المزن في أحشا أراضيها ومن أغرب الاستعارات وأبدعها وأحشمها قول ابن زيدون من قصيدته النونية المشهورة سران في خاطر الظلماء يكتمنا * حتى يكاد لسان الصبح يفشينا وقد عن لي أن أنثر في حدائق الاستعارة نبذة من زهر المنثور وأورد منه ما يزهو بوروده على روضات الزهور كقول القائل وطفقنا نتعاطى شموسا من أكف بدور وجسوم نار في غلائل نور إلى أن ذاب ذهب الأصيل على لجين الماء وشبت نار الشفق في فحمة الظلماء ومثله قول علي بن ظافر الحداد في دوح انعطفت قدود أشجاره وابتسمت ثغور أزهاره وذر كافور مائه على عنبر طينته وامتدت بكاسات الجلنار أنامل غصونه وقال آخر وأجاد وقد عرق بالندا جبين النسيم وابتل جناح الهواء وضربت خيمة الغمام وأغرورقت مقلة السماء وقام خطيب الرعد فنبض عرق البرق ولقد حاز القاضي الفاضل قصبات السبق في هذا الميدان بقوله كتبها المملوك وقد عمشت مقلة السراج وشابت لمة الدواة وخرس لسان القلم وكل خاطر السكين وضاق صدر الورق وما أحلى قول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر والأغصان قد أخضر نبات عارضها ودنانير الأزهار ودراهمها قد تهيأت لتسليم قابضها وقال جمال الدين بن نباتة كتبها المملوك ودمع الغيث قد رقا ووجه الأرض قد راق وقدود الأغصان قد راسلت أهواء القلوب بالأوراق وقيان حمائمها قد ترنمت وجذبت القلوب بالأطواق والورد قد أحمر خده الوسيم وفكت أزراره من أجياد القضيب أنامل النسيم وخرجت أكفه من أكمامه لأخذ البيعة على الأزهار بالتقديم ومما كتبته في البشارة الصادرة عن الملك المؤيد عند عوده من البلاد الرومية وحلول ركابه الشريف بحلب المحروسة المتضمنة ما من الله به من الفتح الذي صار له في الروم قصص سنة عشرين وثمانمائة فمن ذلك قولي عند حصار قلعة طرسوس وفتحها ورأوا ألسن السهام في أفواه تلك المرامي فقالوا رأينا المصائب ناطقة وما رموا على سماء برج غيوم ستائر إلا لمعت فيها من بوارق نقوطها بارقة وحكم عليها القضاء بالاعتقال ولم يأتوا عند ذلك الحكم بدافع هذا بعدما صفق مقبلهم جماد وجهه فبصقت فيه أفواه المدافع وقولي في الاستعارة المرشحة أيضا عند حصار قلعة دريدة وفتحها وقررنا صدع سورها باختلاف الآلات فجاء ما قررناه نقشا على حجر وادعت أن صخرها أصم فأسمعناه من آذان المرامي تنقير المدافع