لقد أنزلت حاجاتي * بواد غير ذي زرع فإن الشاعر كنى به عن الرجل الذي لا يرجى نفعه والمراد به في الآية الكريمة أرض مكة شرفها الله وعظمها ثم اعلم أنه يجوز أن يغير لفظ المقتبس منه بزيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير أو إبدال الظاهر من المضمر أو غير ذلك فالزيادة وإبدال الظاهر من المضمر كقول الشاعر كان الذي خفت أن يكونا * إنا إلى الله راجعونا فزاد الألف في راجعون على جهة الإشباع وأتى بالظاهر مكان المضمر في قوله إنا إلى الله ومراده آية التعزية في المصيبة وهي قوله تعالى إنا لله وإنا إليه راجعون والنقصان ما تقدم من قول الحريري فلم يكن إلا كلمح البصر أو أقرب فإنه أسقط لفظة هو إذ الآية الكريمة لفظها كلمح البصر أو هو أقرب والتقديم والتأخير كقول الشاعر قال لي إن رقيبي * سئ الخلق فداره قلت دعني وجهك * الجنة حفت بالمكاره هذا الاقتباس من الحديث فإنه تقدم أن الإجماع على جواز الاقتباس من القرآن ومنهم من عد المضمن في الكلام من الحديث النبوي اقتباسا وزاد هنا الطيبي في الاقتباس من مسائل الفقه والشاعر قدم في لفظ الحديث وأخر لأن لفظ الحديث حفت الجنة بالمكاره ومن هنا يتبين لك قطع نظرهم في الاقتباس عن كونه نفس المقتبس منه ولولا ذلك للزمهم الكفر في لفظ القرآن والنقص منه ولكنهم يأتون به على أنه لفظ القرآن ومن أمثلته الشعرية قول الحماسي إذا رمت عنها سلوة قال شافع * من الحب ميعاد السلو المقابر سيبقى لها في مضمر الحب والحشا * سرائر تبقى يوم تبلى السرائر ومنه أهدى إليكم على بعد تحيته * حيوا بأحسن منها أو فردوها ويعجبني هنا قول ابن سنا الملك في بعض مطالعه رحلوا فلست مسائلا عن دارهم * أنا باخع نفسي على آثارهم ومن لطائف هذا الباب قول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في معشوقه المسمى بالنسيم إن كانت العشاق من أشواقهم * جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني * كنت اتخذت مع الرسولا سبيلا ومثله في الحسن قول شيخ شيوخ حماة المحروسة رحمه الله تعالى يا نظرة ما جلت لي حسن طلعته * حتى انقضت وأدامتني على وجل عاتبت إنسان عيني في تسرعه * فقال لي خلق الإنسان من عجل ومثله إن دمعت عيني فمن أجلها * بكى على حالي من لا بكى أوقعني إنسانها في الهوى * يا أيها الإنسان ما غركا ومثله قسما بشمس جبينه وضحاها * ونهار مبسمه إذا جلاها وبنار خديه المشعشع نورها * وبليل صدغيه إذا يغشاها لقد ادعيت دعاويا في حبه * صدقت وأفلح من بذا زكاها فنفوس عذالي عليه وعذري * قد ألهمت بفجورها تقواها فالعذر أسعدها مقيم دليله * والعذل منبعث له أشقاها ومنه قول القاضي محيي الدين بن قرناص إن الذين ترحلوا * نزلوا بعين باصره أنزلتهم في مقلتي * فإذا هم بالساهره