وبيت عز الدين الموصلي مذ نم للعين أنس حين طرفها * مرأى الحبيب ببذل العين لم يلم وبيتي يسعد ما تم لي سعد يطرفني * بقربهم وقليل الحظ لم يلم وللمتأمل أن يستحلي ويستجلي ما يظهر في مرآة ذوقه ولا يميل عن جادة الإنصاف المصحف والمحرف هل من يفي ويقي إن صحفوا عذلي * وحرفوا وأتوا بالكلم في الكلم يفي ويقي فيهما جناس التصحيف ومنهم من يسميه جناس الخط وهو ما تماثل ركناه خطا واختلفا لفظا والمقدم في هذا قوله تعالى والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ومنه قول النبي لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه قصر ثوبك فإنه أنقى وأتقى وأبقى وقول النبي حين سمع رجلا ينشد على سبيل الافتخار وقيل سأله عن نسبه فقال إني امرؤ حميري حين تنسبني * لا من ربيعة آبائي ولا مضر فقال له النبي ذلك والله ألأم لجدك وأقل لحدك ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو كنت تاجرا ما اخترت غير العطر إن فاتني ربحه لم تفتني ريحة ومنه قول القاضي الفاضل في بعض رسالاته فأنتم يا بني أيوب أيديكم آفة أنفس الأموال كما أن سيوفكم آفة أنفس الأبطال فلو ملكتم الدهر لامتطيتم لياليه أداهم وقلدتم بيض أيامه صوارم ووهبتم شموسه وأقماره دنانير ودراهم وأوقاتكم أعراس ومآتم إلا على الأموال فهي مآثم والجود خاتم في أيديكم ونفس حاتم نقش في ذلك الخاتم وقال أهل الأدب خلف الوعد خلق الوعد والأربعة أركان بغير حشو وهو غاية في هذا الباب ومن النظم قول الشاعر فإن حلو فليس لهم مقر * وإن رحلوا فليس لهم مفر ومثله قول أبي فراس من بحر جودك أغترف * وبفضل علمك أعترف ولم أذكر هنا من جناس التصحيف إلا ذا النوع السالم من اختلاف الحركة بالتحريف فإنه إذا اجتمع فيه النوعان صار مشوشا كقول الحريري زينت زينب بقد يقد فهذا فيه التحريف والتصحيف وقد تقدم أن الركنين إذا تجاذبهما نوعان من التجنيس ولم يخلصا لواحد كان الجناس مشوشا ومثله قول أبي تمام في حده الحد بين الجد واللعب ومن المصحف السالم ما كتبت به إلى المقر المخدومي فخر الدين بن مكانس في رسالتي التي ذكرت فيها حريق دمشق وهو وأضحت أوقات الربوة بعد ذلك العيش الخضل واليسر عسيره ولقد كان أهلها في ظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة فعبس بعد ذلك ثغر روضها الباسم وضاع من غير تورية عطره الناسم ومن غراميات البهاء زهير ولطائفه في الجناس المصحف قوله وليس مشيبا ما ترون بعارضي * فلا تمنعوني أن أهيم وأطربا وما هو إلا نور ثغر لثمته * تعلق في أطراف شعري فألهبا وأعجبني التجنيس بيني وبينه * فلما تبدى أشنبا رحت أشيبا وما أظرف قول شمس الدين بن العفيف وقد كنى بأحد الركنين عن الآخر وهو يا ذا الذي صد عن محب * فيه أذاب الغرام قلبه مالك في الهجر من دليل * لكن هذي علو قبه ولم يطالب فيه بالتشويش لظرافته ولطافته انتهى الكلام على الجناس المصحف وأما قولي وحرفوا وأتوا بالكلم في الكلم فهذا جناس التحريف وهو ما اتفق ركناه في عدد الحروف وترتيبها واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو فعلين أو من اسم وفعل أو من غير ذلك فإن القصد اختلاف الحركات كما تقرر والمقدم فيه وهو الغاية التي لا تدرك قوله تعالى ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر