ولا بأس به في مطالع القصائد إن تعذر على الناظم أن يركبه تورية فإنه نوع متوسط بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع كما قرره مشايخه كالتورية والاستخدام والاستعارة والتشبيه وما قارب ذلك من أنواع البديل وحكي عن ابن جني أن الأصمعي كان يدفع قول العامة إذا قالوا هذا يجانس هذا إذا كان من شكله ويقول ليس بعربي خالص وقال ابن رشيق صاحب العمدة هو من أنواع الفراغ وقلة الفائدة ومما لا يشك في تكلفه وقد كثر منه هؤلاء الساقة المتعقبون في نظمهم ونثرهم حتى برد ورك انتهى كلامه ولم يحتج إليه بكثرة استعماله إلا من قصرت همته عن اختراع المعاني التي هي كالنجوم الزاهرة في أفق الألفاظ وإذا خلت بيوت الألفاظ من سكان المعاني تنزلت منزلة الأطلال البالية وما أحلى قول الفاضل هنا إنما الدار قبل بالسكان * ثم بعد السكان بالجيران فإذا ما الأرواح شردها الحتف * فماذا يراد بالأبدان وكان الشيخ صلاح الدين الصفدي يستسمن ورمه ويظنه شحما فيشبع أفكاره منه ويملأ بطون دفاتره ويأتي فيه بتراكيب تخف عندها جلاميد الصخور كقوله غفر الله له ونم في أمان بالحبيب ولا تخف * لقائط واش في لقاء طواشي وقوله وكم ساق في الظلماء والليل شاهد * رواحل واط في رواح لواط وقوله وإني إذا كان الفراق معاندي * مطالع ناء في مطال عناء وقوله في الراح وكم ألبست نفسي الفتى بعد نورها * مدارع قار في مدار عقار وقوله إذا جرح العشاق قالوا أقمت في * مدار جراح في مدارج راح وقوله وكم شمت لما قست مقدار ودكم * بوارق ياس في بوار قياس وقوله ولا تفتحن باب الهدايا وعدها * مطار فراش لا مطارف راش وقوله ثنت نحوه الأغصان قامة لينها * طواعن شاط في طواع نشاط وقوله ومر على غيري سقام وصحة * ولم يبر قان مثل ذي يرقان ورأيت بخط الشيخ بدر الدين البشتكي تحت هذا البيت والذي قبله وهو الضعيف باليرقان وأن من ذلك مبلغه من النظم لجدير أن يقعد مع صغار المتأدبين انتهى ومنه قوله فجار وأجرى حين جاورت واجترى * فما فاته مما يروم جناس وقوله زاروا وزانوا وزادوا * هذا الجناس المليح وفي ذلك من الركة ما لا يخفى على أهل الذوق السليم ولولا الخشية من سأم الأسماع لأوردت له كثيرا من هذا النمط وما أظرف ما وقع له مع الشيخ جمال الدين ابن نباتة وذلك أنه لما وقف على كتابه المسمى بجنان الجناس وقد اشتمل على كثير من هذا النوع قرأه جنان الخناس وجرى بينهما بسبب ذلك ما يطول شرحه وهذا مما يؤيد قولي أنه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله ويعجبني هنا قول الشيخ زين الدين عمر بن الوردي رحمه الله تعالى إذا أحببت نظم الشعر فاختر * لنظمك كل سهل ذي امتناع ولا تقصد مجانسة ومكن * قوافيه وكله إلى الطباع وكان الأسعد بن مماتي أيضا ممن لم يجعل الجناس له مذهبا في نظمه وما أحلى ما قال طبع المجنس فيه نوع قيادة * أو ما ترى تأليفه للأحرف ومن غريب ما يحكى أن الشيخ صلاح الدين الصفدي مع تهافته على الجناس والتزامه بما صنفه في جنسه وأنواعه زاحم ابن مماتي في لفظ بيته ومعناه فقال