العالمين ومن الأمثلة الشعرية قول الراعي النميري فإن وزن الحصى ووزنت قومي * وجدت حصى ضريبتهم رزينا فإن السامع إذا فهم أن الشاعر أراد المفاخرة برزانة الحصى وتحقق أن القافية مجردة مطلقة رويها النون وحرف إطلاقها الألف ورأى في صدر البيت ذكر الزنة تحقق أن تكون القافية رزينا ليس إلا ومن عجائب أمثلة هذا النوع ما حكي عن عمر بن أبي ربيعة أنه أنشد عبد الله بن العباس رضي الله عنهما تشط غدا دار جيراننا فقال له عبد الله وللدار بعد غد أبعد فقال عمر هكذا والله قلت فقال عبد الله بن العباس وهكذا يكون ويقرب من هذه القصة قصة عدي بن الرقاع حين أنشد الوليد بن عبد الملك بحضرة جرير والفرزدق قصيدته التي مطلعها عرف الديار توهما فاعتادها حتى انتهى إلى قوله تزجي أغن كأن إبرة روقه ثم شغل الوليد عن الاستماع فقطع عدي الإنشاد فقال الفرزدق لجرير ما تراه يقول فقال جرير أراه يستلب بها مثلا فقال الفرزدق إنه سيقول قلم أصاب من الدواة مدادها فلما عاد الوليد إلى الاستماع وعاد عدي إلى الإنشاد قال البيت فقال الفرزدق والله لما سمعت صدر بيته رحمته فلما أنشد عجزه انقلبت الرحمة حسدا قال زكي الدين بن أبي الأصبع الذي أقوله إن بين ابن العباس وبين الفرزدق في استخراجهما العجزين كما بينهما في مطلق الفضل وفضل ابن عباس رضي الله عنهما معلوم وأنا أذكر الفرق فإن بيت عدي بن الرقاع من جملة قصيدة تقدم مطلعها مع معظمها وعلم أنها دالية مردفة بألف وهي من وزن قد عرف ثم تقدم في صدر البيت ذكر ظبية تسوق خشفا لها قد أخذ الشاعر في تشبيه طرف قرنه بالقلم في سواده وهذه القرائن لا تخفى على أهل الذوق الصحيح أن فيها ما يدل على عجز البيت بحيث يسبق إليه من هو دون الفرزدق من حذاق الشعراء وبيت عمر بيت مفرد لم تعلم قافيته من أي ضرب هي من القوافي ولا رويه من أي الحروف ولا حركة رويه من أي الحركات فاستخراج عجزه ارتجالا في غاية العسر ونهاية الصعوبة لولا ما أمد الله تعالى به هؤلاء الأقوام من المواد التي فضلوا بها عن غيرهم انتهى كلام ابن أبي الأصبع وبين التوشيح والتصدير فرق ظاهر مثل الصبح ولم يحصل الالتباس إلا لكون كل منهما يدل صدره على عجزه والفرق أن دلالة التصدير لفظية ودلالة التوشيح معنوية والفرق بين التوشيح والتمكين أيضا أن التوشيح قد تقدم أنه لا بد أن يتقدم قافيته معنى يدل عليها والتمكين بخلاف ذلك والعميان لم ينظموا أنواع التوشيح في بديعيتهم وبيت صفي الدين هم أرضعوني ثدي الوصل حافلة * فكيف يحصل منها حال منفطمي فقصيدة صفي الدين قد علم أنها ميمية وقد مر على السامع منها عدة أبيات وقد صدر بيت التوشيح بذكر الرضاع والثدي فما يخفى أن تكون القافية منفطما إلا على كل أجنبي من هذا العلم ولقد برز في حسن هذا التركيب باستجلاب الرقة على من تقدمه وبيت الشيخ عز الدين نومي وعقلي بتوشيح الهوى سلبا * فبت صبا بلا حلم ولا حلم قال في شرحه الهوى وشحني برداه غطاني فسلب نومي وعقلي فصرت بلا حلم ولا حلم وهذه عبارته بنصها وبيتي توشيحهم بملا تلك الشعور إذا * لفوه طيا يعرفنا بنشرهم هذا النوع أعني التوشيح يفتقر الناظم إلى قدح زناد الفكر في سبك معانيه مع الملكة والبسطة في علم الأدب وحسن التصرف لا سيما إذا التزم بتسمية النوع وأبرز التسمية منتظمة في سلك التورية من جنس الغزل فتسمية النوع هنا قد عرفت والإتيان في هذا البيت بلفظة الملا هو الذي رشح جانب التوشيح الجائل على العاتق والكشح وأما توشيح الهوى في بيت الشيخ عز الدين فلم ينسج على