نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 290
أحسن الأماكن فيها فمن سبق إلى مكان فهو له ومن تخلف سبقه الناس إلى المدينة فأخذوا منازلهم وتبوأوا مساكنهم فيها وبقي من أصحاب الحسرات ونصب لهم ميدان السباق وجعل على الميدان شجرة كبيرة لها ظل مديد وتحتها مياه جارية وفي الشجرة من كل أنواع الفواكه وعليها طيور عجيبة الأصوات وقال لهم : لا تغتروا بهذه الشجرة وظلها فعن قليل تجتث من أصلها ويذهب ظلها وينقطع ثمرها وتموت أطيارها وأما مدينة الملك فأكلها دائم وظلها مديد ونعيمها سرمدي وفيها مالاً عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فسمع الناس بها فخرجوا في طلبها على وجوههم فمروا بطريقهم بتلك الشجرة على أثر تعب ونصب وحر وظمأ فنزلوا كلهم تحتها واستظلوا بظلها وذاقوا حلاوة ثمرها وسمعوا نغمات أطيارها فقيل لهم : إنما نزلتم تحتها لتحموا أنفسكم وتضمروا مراكبكم للسباق فتهيئوا للركوب وكونوا على أهمية فإذا صاح النفير استدركتم حلبة السباق فقال الأكثرون : كيف ندع هذا الظل الظليل والماء السلسبيل والفاكهة النضجة والدعة والراحة ونقتحم هذه الحلبة في الحر والغبار والتعب والنصب والسفر البعيد والمفاوز المعطشة التي تتقطع فيها الأمعاء وكيف نبيع النقد الحاضر بالنسيئة الغائبة إلى الأجل البعيد ونترك ما نراه إلى مالا نراه وذرة منقودة في اليد أولى من ذرة موعودة بعد غد خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ونحو بنو اليوم وهذا عيش حاضر كيف نتركه لعيش غائب في بلد بعيد لا ندري متى نصل إليه ونهض من كل ألف واحد وقالوا : والله ما مقامنا هذا في ظل زائل تحت شجرة قد دنى قلعها وانقطاع ثمرها وموت أطيارها ونترك المسابقة إلى الظل الظليل الذي لا يزول والعيش الهنئ الذي لا ينقطع إلا من أعجز
290
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 290