نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 275
أمير المؤمنين فان الزاد منها تركها والغناء فيها فقرها لها في كل حال قتيل تدل من أعزها وتفقر من جمعها هي كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه فكن فيها كمداو جرحاته يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً ويصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء فاحذر هذه الدار الغرارة الخيالة الخداعة التي قد تزينت بخدعها وفتنت بغرورها وخيلت بآمالها وشوقت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلوة فالعيون إليها ناظرة والقلب عليها والهة والنفوس لها عاشقة وهي لأزواجها كلهم قاتلة فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بالأول مزدجر والعارف بالله حين أخبره عنها مدكر فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد فشغل فيها لبه حتى زلت عنها قدمه فعظمت ندامته وكبرت حسرته واجتمع عليه سكرات الموت وألمه وحسرات الفوت ونغصه فذهب منها في كمد ولم يدرك منها ما طلب ولم يرح نفسه من التعب فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد فاحذرها يا أمير المؤمنين وأسر ما تكون فيها احذر ما تكون لها فان صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه السار فيها غذاء ضار وقد وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء فسرورها مشوب بالحزن لا يرجع منها ما ولى فأدبر ولا يدري ما هو آت فينتظر أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد فلو كان الخالق لها لم يخبر عنها خبرا ولم يضرب لها مثلاً لكانت قد أيقظت النائم ونبهت الغافل فكيف وقد جاء من الله عز وجل عنها زاجر وفيها واعظ فما لها عند الله عز وجل قدر ولا وزن وما نظر إليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا تنقصه عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها وكره أن يحب ما أبغض الله خالقه أو يرفع ما وضع مليكه فزواها عن الصالحين اختيارا وبسطها لأعدائه اغترارا فيظن المغرور بها القادر عليها أنه أكرم بها ونسي ما صنع الله بمحمد صلى الله عليه وسلم حين شد الحجر على بطنه . وقال الحسن أيضاً : ابن آدم لا تعلق قلبك في الدنيا فتعلقه بشر مغلق اقطع حبالها وغلق أبوابها حسبك يا ابن آدم منها ما يبلغك المحل وكان يقول : إن قوما أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب فأهينوها فأهنأ ما تكون إذا
275
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 275