نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 230
فمعنى الآية والله أعلم بما أراد من كلامه : أن هؤلاء المشركين لما وقفوا على النار وعاينوها وعلموا أنهم دخلوها تمنوا أنهم يردون إلى الدنيا فيؤمنون بالله وآياته ولا يكذبون رسله فأخبر سبحانه أن الأمر ليس كذلك وأنهم ليس في طبائعهم وسجاياهم الايمان بل سجيتهم الكفر والشرك والتكذيب وأنهم لو ردوا لكانوا بعد الرد كما كانوا قبله وأخبر أنهم كاذبون في زعمهم أنهم لو ردوا لآمنوا وصدقوا . فإذا تقرر مقصود الآية ومرادها تبين معنى الاضراب ببل وتبين معنى الذي بدا لهم والذي كانوا يخفونه والحامل لهم على قولهم : ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ) ( الأنعام : 27 ) فالقوم كانوا يعلمون أنهم كانوا في الدنيا على باطل وأن الرسل صدقوهم فيما بلغوهم عن الله وتيقنوا ذلك وتحققوه ولكنهم أخفوه ولم يظهروه بينهم بل تواصوا بكتمانه فلم يكن الحامل لهم على تمني الرجوع والايمان معرفة ما لم يكونوا يعرفونه من صدق الرسل فإنهم كانوا يعلمون ذلك ويخفونه وظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ينطوون عليه من علمهم أنهم على باطل وأن الرسل على الحق فعاينوا ذلك عياناً بعد أن كانوا يكتمونه ويخفونه فلو ردوا لما سمحت لهم نفوسهم بالايمان ولعادوا إلى الكفر والتكذيب فإنهم لم يتمنوا الايمان لعلمهم يومئذ أنه هو الحق وأن الشرك باطل وانما تمنوا لما عاينوا العذاب الذي لا طاقة لهم باحتماله وهذا كمن كان يخفى محبة شخص ومعاشرته وهو يعلم أن حبه باطل وأن الرشد في عدوله عنه فقيل له : إن اطلع عليه وليه عاقبك وهو يعلم ذلك ويكابر ويقول : بل محبته ومعاشرته هي الصواب فلما أخذه وليه ليعاقبه على ذلك وتيقن العقوبة تمنى أن يعفى من العقوبة وأنه لا يجتمع به بعد ذلك وفي قلبه من محبته والحرص على معاشرته ما يحمله على المعاودة بعد معاينة العقوبة بل بعد أن مسته وأنهكته فظهر له عند العقوبة ما كان يخفي من معرفته بخطئه وصواب ما نهاه عنه ولو رد لعاد لما نهى عنه . وتأمل مطابقة الاضراب لهذا المعنى وهو نفي قولهم : إنا لو رددنا لآمنا وصدقنا لأنه ظهر لنا الآن أن ما قاله الرسل هو الحق أي ليس كذلك بل كنتم تعلمون ذلك وتعرفونه وكنتم تخفونه فلم يظهر لكم شيء لتكونوا عالمين به
230
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 230