نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 229
ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) ( الأنعام : 27 - 28 ) . وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية وما أوردوا فراجع أقوالهم تجدها لا تشفى عليلاً ولا تروي غليلاً ومعناها أجل وأعظم مما فسروها به ولم يتفطنوا لوجه الاضراب ببل ولا الأمر الذي بدا لهم وكانوا يخفونه وظنوا أن الذي بدا لهم العذاب فلما لم يروا ذلك ملتئماً مع قوله : ( ما كانوا يخفون من قبل ) قدروا مضافاً محذوفاً وهو خبر ما كانوا يخفون من قبل فدخل عليهم أمر آخر لا جواب لهم عنه وهو أن القوم لم يكونوا يخفون شركهم وكفرهم بل كانوا يظهرونه ويدعون إليه ويحاربون عليه ولما علموا أن هذا وارد عليهم قالوا : إن القوم في بعض موارد القيامة ومواطنها أخفوا شركهم وجحدوه وقالوا : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام : 23 ) فلما وقفوا على النار بدا لهم جزاء ذلك الذي أخفوه قال الواحدي : وعلى هذا أهل التفسير ولم يصنع أرباب هذا القول شيئاً فان السياق والإضراب - ( بل ) والاخبار عنهم بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقولهم : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) لا يلتئم بهذا الذي ذكروه فتأمله . وقالت طائفة منهم الزجاج : بل بدا للاتباع ما أخفاه عنهم الرؤساء من أمر البعث . وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير وفيه من التكليف ما ليس بخاف وأجود من هذا ما فهمه المبرد من الآية قال : كأن كفرهم لم يكن بادياً لهم إذ خيفت عليهم ومعنى كلامه : أنهم لما خفيت عليهم مضرة عاقبته ووباله فكأنه كان خفياً عنهم لم تظهر لهم حقيقته فلما عاينوا العذاب ظهرت لهم حقيقته وسره قال : وهذا كما تقول لمن كنت حدثته في أمر قبل ( وقد ظهر لك الآن ما كنت قلت لك ) وقد كان ظاهراً له قبل هذا ولا يسهل أن يعبر عن كفرهم وشركهم الذي كانوا ينادون به على رؤوس الأشهاد ويدعون إليه كل حاضر وباد بأنهم كانوا يخفونه لخفاء عاقبته عنهم ولا يقال لمن أظهر الظلم والفساد وقتل النفوس والسعي في الأرض بالفساد أنه أخفى ذلك لجهله بسوء عاقبته وخفائها عليه .
229
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 229