نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 202
وغيره للابتلاء والامتحان كما أخبر أنه خلق الموت والحياة لذلك وخلق السماوات والأرض لهذا الابتلاء أيضاً . فهذه ثلاثة مواضع في القرآن يخبر فيها سبحانه أنه خلق العالم العلوي والسفلي وما بينهما واجل العالم واجل أهله وأسباب معائشهم التي جعلها زينة للأرض من الذهب والفضة والمساكن والمراكب والزروع والثمار والحيوان والنساء والبنين وغير ذلك كل ذلك خلقه للابتلاء والامتحان ليختبر خلقه أيهم أطوع له وأرضي فهو الأحسن عملاً . وهذا هو الحق الذي خلق به وله السماوات والأرض وما بينهما وغايته الثواب والعقاب وفواته وتعطيله هو العبث الذي نزه نفسه عنه وأخبر أنه يتعالى عنه وأنه ملكه الحق وتفرده بالألوهية وحد وبربوبية كل شيء ينفي هذا الظن الباطل والحساب الكاذب كما قال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) ( المؤمنون : 115 - 116 ) فنزه سبحانه نفسه عن ذلك كما نزهها عن الشريك والولد والصاحب وسائر العيوب والنقائص من السنة والنوم واللغوب والحاجة واكتراثه بحفظ السماوات والأرض وتقدم الشفعاء بين يديه بدون إذنه كما يظنه أعدائه المشركون يخرجون عن علمه جزيئات العالم أو شيئاً منها فكما أن كماله المقدس وكما أسمائه وصفاته يأبى ذلك ويمنع منه فكذلك يبطل خلقه لعباده عبثاً وتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يردهم إليه فيثيب محسنهم باحسانه ومسيئهم بإساءته ويعرف المبطلون منهم أنهم كانوا كاذبين ويشهدهم أن رسله وأتباعهم كانوا أولى بالصدق والحق منهم فمن أنكر ذلك فقد أنكر ألوهيته وربوبيته وملكه الحق وذلك عين الجحود والكفر به سبحانه كما قال المؤمن لصاحبه الذي حاوره في المعاد وأنكره : ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ) ( الكهف : 37 ) فأخبر أن انكاره للمعاد كفر بذات الرب سبحانه وقال تعالى : ( وان تعجب فعجب قولهم أإذا كنا تراباً أإنا لفي خلق
202
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 202