نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 148
وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها وانما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وإلا فهو في الدنيا وان شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملاً للمعارضات التي عليه والمحن التي امتحن بها وإلا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك وكل العلوم والمعارف نبع لهذه المعرفة مرادة لأجلها وتفاوت العلوم في فضلها بحسب قرب افضائها إلى هذه المعرفة وبعدها فكل علم كان أقرب افضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه وكذلك حال القلب فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه وكذلك الأعمال فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود وكان أفضل من غيره ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب افضائها إلى هذا المقصود وهكذا يجب أن يكون فان كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الافضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضي ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الافضاء فكانت مطلوبة لله واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهياً عنها وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها . وهاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وايثاره أفضل له من قيام الليل والشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع والعالم الذي قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وولي الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم وإقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل أفضل من عبادة سنين من غيره ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته .
148
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 148