نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 231
في بذل المال والقرينة تشهد للخصوص واللفظ يشهد للعموم ويتعارض ما يورث الشك فيحسن الاستفهام . بيان الطريق المختار عندنا في إثبات العموم أعلم أن هذ النظر لا يختص بلغة العرب ، بل هو جار في جميع اللغات ، لان صيغ العموم محتاج إليها في جميع اللغات ، فيبعد أن يغفل عنها جميع أصناف الخلق ، فلا يضعونها مع الحاجة إليها ، ويدل على وضعها توجه الاعتراض على من عصى الامر العام ، وسقوط الاعتراض عمن أطاع ، ولزوم النقض والخلف عن الخبر العام ، وجواز بناء الاستحلال على المحللات العامة ، فهذه أمور أربعة تدل على الغرض ، وبيانها : أن السيد إذا قال لعبده : من دخل اليوم داري فأعطه درهما أو رغيفا ، فأعطى كل داخل لم يكن للسيد أن يعترض عليه ، فإن عاتبه في إعطائه واحدا من الداخلين مثلا وقال : لم أعطيت هذا من جملتهم وهو قصير ، وإنما أردت الطوال أو هو أسود ، وإنما أردت البيض فللعبد أن يقول ما أمرتني بإعطاء الطوال ولا البيض ، بل بإعطاء من دخل ، وهذا داخل ، فالعقلاء إذا سمعوا هذا الكلام في اللغات كلها أو إعتراض السيد ساقطا وعذر العبد متوجها ، وقالوا للسيد : أنت أمرته بإعطاء من دخل وهذا قد دخل ولو أنه أعطى الجميع إلا واحدا فعاتبه السيد وقال : لم لم تعطه ؟ فقال العبد : لان هذا طويل أو أبيض ، وكان لفظك عاما فقلت : لعلك أردت القصار أو السود ، استوجب التأديب بهذا الكلام ، وقيل له : مالك وللنظر إلى الطول واللون ، وقد أمرت بإعطاء الداخل ، فهذا معنى سقوط الاعتراض عن المطيع وتوجهه على العاصي ، وأما النقض على الخبر فإذا قال ما رأيت اليوم أحدا وكان قد رأى جماعة كان كلامه خلفا منقوضا وكذبا ، فإن أردت أحدا غير تلك الجماعة كان مستنكرا ، وهذه كصيغ الجميع فإن النكرة في النفي تعم عند القائلين بالعموم ، ولذلك قال الله تعالى : * ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ) * ( الانعام : 19 ) وإنما أورد هذا نقضا على كلامهم ، فإن لم يكن عاما فلم ورد النقض عليهم ؟ فإن هم أرادوا غير موسى فلم لزم دخول موسى تحت اسم البشر ، وأما الاستحلال بالعموم ، فإذا قال الرجل : أعتقت عبيدي وإمائي ومات عقيبه ، جاز لمن سمعه أن يزوج من أي عبيده شاء ، ويتزوج من أي جواريه شاء بغير رضا الورثة ، وإذا قال العبيد الذين هم في يدي ملك فلان ، كان ذلك إقرارا محكوما به في الجميع وبناء الاحكام على أمثال هذه العمومات في سائر اللغات لا ينحصر ، ولا خلاف في أنه لو قال : أنفق على عبدي غانم أو على زوجتي زينب ، أو قال : غانم حر ، وزينب طالق ، وله عبدان اسمهما غانم ، وزوجتان اسمهما زينب ، فتجب المراجعة والاستفهام ، لأنه أتى باسم مشترك غير مفهوم ، فإن كان لفظ العموم فيما وراء أقل الجمع مشتركا فينبغي أن يجب التوقف على العبد إذا أعطى ثلاثة ممن دخل الدار ، وينبغي أن يراجع في الباقي ، وليس كذلك عند العقلاء كلهم في اللغات كلها ، فإن قيل : إن سلم لكم ما ذكرتموه فإنما يسلم بسبب القرائن لا بمجرد اللفظ ، فإن عرى عن القرائن فلا يسلم ، قلنا : كل قرينة قدرتموها فعلينا أن نقدر نفيها أو يبقى حكم الاعتراض والنقض كما سبق ، فإن غايتهم أن يقولوا : إذا قال : أنفق على عبيدي وجواري في غيبتي ، وكان
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 231