نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 205
7 ) وللارشاد كقوله : * ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) * ( المائدة : 101 ) فهذه خمسة عشر وجها في إطلاق صيغة الامر ، وسبعة أوجه في إطلاق صيغة النهي فلا بد من البحث عن الوضع الأصلي في جملة ذلك ما هو والمتجوز به ما هو ، وهذه الأوجه عدها الأصوليون شغفا منهم بالتكثير ، وبعضها كالمتداخل ، فإن قوله : كل مما يليك جعل للتأديب ، وهو داخل في الندب ، والآداب مندوب إليها ، وقوله : * ( تمتعوا ) ( هود 65 ، إبراهيم : 30 ، الذاريات : 43 ) للانذار ، قريب من قوله : * ( اعملوا ما شئتم ) * ( فصلت : 04 ) الذي هو للتهديد ، ولا نطول بتفصيل ذلك وتحصيله ، فالوجوب والندب والارشاد والإباحة أربعة وجوه محصلة ، ولا فرق بين الارشاد والندب ، إلا أن الندب لثواب الآخرة ، والارشاد للتنبيه على المصلحة الدنيوية ، فلا ينقص ثواب بترك الاشهاد في المداينات ولا يزيد بفعله . وقال قوم : هو مشترك بين هذه الوجوه الخمسة عشر ، كلفظ العين والقرء ، وقال قوم : يدل على أقل الدرجات ، وهو الإباحة ، وقال قوم : هو للندب ، ويحمل على الوجوب بزيادة قرينة ، وقال قوم : هو للوجوب ، فلا يحمل على ما عداه إلا بقرينة ، وسبيل كشف الغطاء أن نرتب النظر على مقامين : الأول : في بيان أن هذه الصيغة هل تدل على اقتضاء وطلب أم لا . والثاني : في بيان أنه إن اشتمل في اقتضاء ، والاقتضاء موجود في الندب ، والوجوب على اختيارنا في أن الندب داخل تحت الامر فهل يتعين لأحدهما أو هو مشترك ؟ . المقام الأول : في دلالته على اقتضاء الطاعة ، فنقول : قد أبعد من قال أن قوله : إفعل مشترك بين الإباحة والتهديد الذي هو المنع وبين الاقتضاء ، فإنا ندرك التفرقة في وضع اللغات كلها ، بين قولهم ، إفعل ولا تفعل ، وإن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل ، حتى إذا قدرنا انتفاء القرائن كلها ، وقدرنا هذا منقولا على سبيل الحكاية عن ميت أو غائب لا في فعل معين من قيام وقعود وصيام وصلاة ، بل في الفعل مجملا ، سبق إلى فهمنا اختلاف معاني هذه الصيغ ، وعلمنا قطعا أنها ليست أسامي مترادفة على معنى واحد ، كما أنا ندرك التفرقة بين قولهم في الاخبار : قام زيد ويقوم زيد ، وزيد قائم ، في أن الأول للماضي ، والثاني للمستقبل الثالث للحال ، هذا هو الوضع ، وإن كان قد يعبر بالماضي عن المستقبل ، وبالمستقبل عن الماضي لقرائن تدل عليه ، وكما ميزوا الماضي عن المستقبل ميزوا الامر عن النهي ، وقالوا في باب الأمر : إفعل ، وفي باب النهي : لا تفعل ، وإنهما لا ينبئان عن معنى قوله : إن شئت فافعل ، وإن شئت فلا تفعل ، فهذا أمر نعلمه بالضرورة من العربية والتركية والعجمية وسائر اللغات ، لا يشككنا فيه لطلاق مع قرينة التهديد ومع قرينة الإباحة في نوادر الأحوال ، فإن قيل : بم تنكرون على من يحمله على الإباحة ، لأنها أقل الدرجات فهو مستيقن ؟ قلنا : هذا باطل من وجهين : أحدهما : أنه محتمل للتهديد والمنع ، فالطريق الذي يعرف أنه لم يوضع للتهديد يعرف أنه لم يوضع للتخيير . الثاني : أن هذا من قبيل الاستصحاب ، لا من قبيل البحث عن الوضع ، فإنا نقول : هل تعلم أن مقتضى قوله : إفعل للتخيير بين الفعل والترك ؟ فإن قال : نعم ، فقد باهت واخترع ، وإن قال : لا ، فنقول : فأنت شاك في معناه ، فيلزمك التوقف ، فيحصل من هذا أن قوله : إفعل يدل على ترجيح جانب الفعل على جانب الترك
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 205