نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 153
الشبهة الثالثة : أنه لو مات المخالف لم تصر المسألة إجماعا بموته ، والباقون هم كل الأمة ، لكنهم في بعض العصر ، فلذلك لا يصير مذهب المخالف مهجورا ، فإن كان العصر لا يعتبر فليبطل مذهب المخالف ، قلنا : قال قوم : يبطل مذهبه ويصير مهجورا ، لان الباقين هم كل الأمة في ذلك الوقت ، وهو غير صحيح عندنا بل الصحيح ، أنهم ليسوا كل الأمة بالإضافة إلى تلك المسألة التي أفتى فيها الميت ، فإن فتواه لا ينقطع حكمها بموته ، وليس هذا للعصر ، فإنه جار في الصحابي الواحد إذا قال قولا وأجمع التابعون في جميع عصرهم على خلافه ، فقد بينا أنه لا يبطل مذهبه ، لانهم ليسوا كل الأمة بالإضافة إلى هذه المسألة . الشبهة الرابعة : ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : اجتمع رأيي ورأي عمر على منع بيع أمهات الأولاد ، وأنا الآن أرى بيعهن ، فقال عبيدة السلماني : رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة ، قلنا : لو صح إجماع الصحابة قاطبة لما كان هذا يدل من مذهب علي على اشتراط انقراض العصر ، ولو ذهب إلى هذا صريحا لم يجب تقليده ، كيف ولم يجتمع إلا رأيه ورأي عمر كما قال ، وأما قول عبيدة : رأيك في الجماعة ، ما أراد به موافقة الجماعة إجماعا ، وإنما أراد به أن رأيك في زمان الألفة والجماعة ، والاتفاق والطاعة للامام أحب إلينا من رأيك في الفتنة والفرقة وتفرق الكلمة وتطرق التهمة إلى علي في البراءة من الشيخين رضي الله عنهم فلا حجة فيما ليس صريحا في نفسه . - مسألة ( كيفية انعقاد الاجماع ) يجوز انعقاد الاجماع عن اجتهاد وقياس ويكون حجة ، وقال قوم الخلق الكثير لا يتصور اتفاقهم في مظنة الظن ، ولو تصور لكان حجة ، وإليه ذهب ابن جرير الطبري ، وقال قوم ، هو متصور وليس بحجة ، لان القول بالاجتهاد يفتح باب الاجتهاد ولا يحرمه ، والمختار أنه متصور وأنه حجة ، وقولهم أن الخلق الكثير كيف يتفقون على حكم واحد في مظنة الظن ؟ قلنا : هذا إنما يستنكر فيما يتساوى فيه الاحتمال ، وأما الظن الأغلب فيميل إليه كل واحد ، فأي بعد في أن يتفقوا على أن النبيذ في معنى الخمر في الاسكار ، فهو في معناه في التحريم ، كيف وأكثر الاجماعات مستندة إلى عمومات وظواهر وأخبار آحاد صحت عند المحدثين ، والاحتمال يتطرق إليها ، كيف وقد أجمعوا على التوحيد والنبوة ، وفيهما من الشبهة ما هو أعظم جذبا لأكثر الطباع من الاحتمال الذي في مقابلة الظن الاظهر ، وقد أجمعت على إبطال النبوة مذاهب باطلة ليس لها دليل قطعي ولا ظني ، فكيف لا يجوز الاتفاق على دليل ظاهر وظن غالب ، ويدل عليه جواز الاتفاق عن اجتهاد لا بطريق القياس ، كالاتفاق على جزاء الصيد ، ومقدار أرش الجناية ، وتقدير النفقة ، وعدالة الأئمة والقضاة ، وكل ذلك مظنون وإن لم يكن قياسا . ولهم شبه : الأولى : قولهم : كيف تتفق الأمة على اختلاف طباعها وتفاوت أفهامها في الذكاء والبلادة على مظنون ؟ قلنا : إنما يمتنع مثل هذا الاتفاق في زمان واحد وساعة معينة ، لانهم في مهلة النظر قد يختلفون ، أما في أزمنة متمادية فلا يبعد أن يسبق الأذكياء إلى الدلالة الظاهرة ، ويقررون ذلك عند ذوي البلادة ، فيقبلونه منهم ويساعدون عليه ، وأهل هذا المذهب قد جوزوا الاجماع على نفي القياس وإبطاله ، مع ظهور أدلة صحته ، فكيف يمتنع الاجماع على هذا .
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 153