نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 152
تحكم ، لأنه قول بعض الأمة والعصمة إنما تثبت للكل فقط ، فإن قيل : نعلم قطعا أن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة ، فنقل إليهم مذهب بعض الصحابة مع انتشاره وسكوت الباقين كانوا لا يجوزون العدول عنه ، فهو إجماع منهم على كونه حجة ، قلنا : هذا إجماع غير مسلم ، بل لم يزل العلماء مختلفين في هذه المسألة ، ويعلم المحصلون أن السكوت متردد ، وأن قول بعض الأمة لا حجة فيه . مسألة ( انعقاد الاجماع باتفاق الأمة ) إذا اتفقت كلمة الأمة ولو في لحظة انعقد الاجماع ، ووجبت عصمتهم عن الخطأ ، وقال قوم : لا بد من انقراض العصر وموت الجميع ، وهذا فاسد ، لان الحجة في اتفاقهم لا في موتهم ، وقد حصل قبل الموت ، فلا يزيده الموت تأكيدا ، وحجة الاجماع الآية والخبر ، وذلك لا يوجب اعتبار العصر ، فإن قيل : ما داموا في الاحياء فرجوعهم متوقع وفتواهم غير مستقرة ، قلنا : والكلام في رجوعهم ، فإنا لا نجوز الرجوع من جميعهم ، إذ يكون أحد الاجماعين خطأ ، وهو محال ، أما بعضهم فلا يحل له الرجوع ، لأنه برجوعه خالف إجماع الأمة التي وجبت عصمتها عن الخطأ ، نعم يمكن أن يقع الرجوع من بعضهم ويكون به عاصيا فاسقا ، والمعصية تجوز على بعض الأمة ، ولا تجوز على الجميع ، فإن قيل : كيف يكون مخالفا للاجماع وبعد ما تم الاجماع ، وإنما يتم بانقراض العصر ؟ قلنا : إن عنيتم به أنه لا يسمى إجماعا فهو بهت على اللغة والعرف ، وإن عنيتم أن حقيقته لم تتحقق فما حده ، وما الاجماع إلا اتفاق فتاويهم ، والاتفاق قد حصل ، وما بعد ذلك استدامة للاتفاق لا إتمام للاتفاق ، ثم نقول : كيف يدعي ذلك ونحن نعلم أن التابعين في زمان بقاء أنس بن مالك وأواخر الصحابة كانوا يحتجون بإجماع الصحابة ؟ ولم يكن جواز الاحتجاج بالاجماع مؤقتا بموت آخر الصحابة ، ولهذا قال بعضهم : يكفي موت الأكثر ، وهو تحكم آخر لا مستند له ، ثم نقول : هذا يؤدي إلى تعذر الاجماع ، فإنه إن بقي واحد من الصحابة جاز للتابعي أن يخالف إذ لم يتم الاجماع ، وما دام واحد من عصر التابعين أيضا لا يستقر الاجماع منهم ، فيجوز لتابعي الخلاف ، وهذا خبط لا أصل له ، ولهم شبه : الشبهة الأولى : قولهم إنه : ربما قال بعضهم ما قاله عن وهم وغلط ، فيتنبه له ، فكيف يحجر عليه في الرجوع عن الغلط ، وكيف يؤمن ذلك باتفاق يجري في ساعة واحدة ؟ قلنا : وبأن يموت من أين يحصل أمان من غلطه ، وهل يؤمن من الغلط إلا دلالة النص على وجوب عصمة الأمة ، وأما إذا رجع وقال : تبينت أني غلطت فنقول : إنما يتوهم عليك الغلط إذا انفردت ، وأما ما قلته في موافقة الأمة فلا يحتمل الخطأ ، فإن قال : تحققت أني قلت ما قلته عن دليل كذا ، وقد انكشف لي خلافه قطعا فنقول : إنما أخطأت في الطريق لا في نفس المسألة ، بل موافقة الأمة تدل على أن الحكم حق ، وإن كنت في طريق الاستدلال مخطئا . الشبهة الثانية : إنهم ربما قالوا عن اجتهاد وظن ، ولا حجر على المجتهد إذا تغير اجتهاده أن يرجع ، وإذا جاز الرجوع دل أن الاجماع لم يتم ؟ قلنا : لا حجر على المجتهد في الرجوع إذا انفرد باجتهاده ، أما ما وافق فيه اجتهاده اجتهاد الأمة فلا يجوز الخطأ فيه ويجب كونه حقا والرجوع عن الحق ممنوع .
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 152