نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 115
وصاعقة بالليل لا يتنبه له إلا الآحاد على أن مثل هذا ، إنما يعمله من قيل له انظر إليه فانشق عقيب القول والتحدي ، ومن لم يعلم ذلك ووقع عليه بصره ربما توهم أنه خيال انقشع أو كوكب كان تحت القمر فانجلى القمر عنه ، أو قطعة سحاب سترت قطعة من القمر ، فلهذا لم يتواتر نقله ، وأما نقلهم القرآن دون سائر الاعلام فذلك لامرين : أحدهما : أن الدواعي لا تتوفر بعد ثبوت النبوة بالقرآن واستقلالها به على نقل ما يقع بعده ، بحيث تقع المداومة عليه اكتفاء بثبوتها بالقرآن الذي هو أعظم الآيات ، ولان غير القرآن إنما ظهر في عمر كل واحد مرة واحدة ، وربما ظهر بين يدي نفر يسير ، والقرآن كان يردده طول عمره مرة بعد أخرى ، ويلقيه على كافتهم قصدا ، ويأمرهم بحفظه والتلاوة له والعمل بموجبه ، وأما المعوذتان فقد ثبت نقلهما شائعا من القرآن كسائر السور ، وابن مسعود رضي الله عنه لم ينكر كونهما من القرآن لكن أنكر إثباتهما في المصحف وإثبات الحمد أيضا ، لأنه كانت السنة عنده أن لا يثبت إلا ما أمر النبي ( ص ) بإثباته وكتبته ولما لم يجده كتب ذلك ولا سمع أمره به أنكره ، وهذا تأويل وليس جحدا لكونه قرآنا ، ولو جحد ذلك لكان فسقا عظيما لا يضاف إلى مثله ، ولا إلى أحد من الصحابة ، وأما ترك النصارى نقل كلام عيسى عليه السلام في المهد ، فلعله لم يتكلم إلا بحضرة نفر يسير ومرة واحدة لتبرئة مريم عليها السلام عما نسبوها إليه ، فلم ينتشر ذلك ولم يحصل العلم بقول من سمع ذلك منهم فاندرس فيما بينهم ، وأما شعيب ومن يجري مجراه من الرسل عليهم السلام ، فلم يكن لهم شريعة ينفردون بها بل كانوا يدعون إلى شريعة من قبلهم ، فلم تتوفر الدواعي على نقل معجزاتهم ، إذ لم يكن لهم معجزات ظاهرة ، لكن ثبت صدقهم بالنص والتوقيف من نبي ذي معجزة ، وأما الخبر عن اللمس والمس للذكر وما تعم به البلوى ، فيجوز أن يخبر به الرسول عليه السلام عددا يسيرا ثم ينقلونه آحادا ولا يستفيض ، وليس ذلك مما يعظم في الصدور وتتوفر الدواعي على التحدث به دائما . القسم الثالث : ما لا يعلم صدقه ولا كذبه : فيجب التوقف فيه ، وهو جملة الأخبار الواردة في أحكام الشرع والعبادات مما عدا القسمين المذكورين ، وهو كل خبر لم يعرف صدقه ولا كذبه ، فإن قيل : عدم قيام الدليل على صدقه يدل على كذبه ، إذ لو كان صدقا لما أخلانا الله تعالى عن دليل على صدقه ، قلنا : ولم يستحيل أن يخلينا عن دليل قاطع على صدقه ، ولو قلب هذا وقيل يعلم صدقه لأنه لو كان كذبا لما أخلانا الله تعالى عن دليل قاطع على كذبه ، لكان مقاوما لهذا الكلام ، وكيف يجوز ذلك ، ويلزم منه أن يقطع بكذب كل شاهد لا يقطع بصدقه وكفر كل قاض ومفت وفجوره ، إذا لم يعلم إسلامه وورعه بقاطع ، وكذا كل قياس ودليل في الشرع لا يقطع بصحته فليقطع ببطلانه ، وهذا بخلاف التحدي بالنبوة إذا لم تظهر معجزة ، فإنا نقطع بكذبه ، لان النبي ( ص ) هو الذي كلفنا تصديقه وتصديقه بغير دليل محال وتكليف المحال محال فبه علمنا ، أنا لم نكلف تصديقه ، فلم يكن رسولا إلينا قطعا ، أما خبر الواحد ، وشهادة الاثنين فلم نتعبد فيه بالتصديق بل بالعمل عند ظن الصدق والظن حاصل ، والعمل ممكن ونحن مصيبون وإن كان هو كاذبا ولو عملنا
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 115