بتحصيل البراءة اليقينية حينئذ حكم تنجيزي لا يمكن الترخيص على خلافه ، وإن كان المراد به استصحاب عدم اللزوم في ظرف الجهل ، أو عدم اللزوم واقعا ، فالظاهر عدم محذور فيه . ( القول فيما استدل به للاحتياط ) في الشبهات الحكمية ، وقد استدلوا على ذلك بالأدلة الثلاثة ، فمن الكتاب بآيات منها قوله تعالى : ( فاتقوا الله حق تقاته وجاهدوا في الله حق جهاده واتقوا الله ما استطعتم ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله ورسوله ) ، ومنها الآيات الناهية عن القول بغير علم ، والجواب أما عما دل على النهي عن القول بغير علم ، فهو إن المراد من العلم هي الحجة المعتبرة ، وبعد إثبات البراءة في الشبهات التكليفية بالحجة المعتبرة ، لا تكون تلك الآيات شاملة للمقام ، بل تكون أدلة البراءة واردة عليها ، كما لا يخفى ، وأما آيتي التقوى والمجاهدة ، فمحمولة على الارشاد ، وإلا فظاهرها لزوم المرتبة الأخيرة من التقوى والمجاهدة ، مع إنها غير لازمة قطعا ، وأما آية التهلكة ، فهي مثل قاعدة دفع الضرر المحتمل في ورود قبح العقاب بلا بيان عليها ، وأما آية الرد إلى الرسول ، فموردها عدم التمكن من إزالة الشبهة ، والاستناد فيها إلى حجة ظاهرية ، مع إمكان حملها على صورة تعارض النصين ، والترجيح بالكتاب والسنة ، هذا ما استدلوا به من الكتاب ، وأما السنة ، فاستدلوا أيضا بطوائف منها الامرة بالوقوف عند الشبهة ، معللة بالاقتحام في التهلكة ، أو الامر بالوقوف مطلقا من دون تعليل بذلك ، ومنها الامرة برد حكم الشبهة إلى الله والرسول ، ومنها الامرة بالاحتياط ، ومنها الناهية من القضاء بغير علم ، والجواب إما عن الطائفة الأولى المعللة بالتهلكة ، فهو إنها مختصة بما إذا تم البيان حين يحتمل فيه التهلكة ، وأما مع عدم تمامية البيان ، فلا تهلكة بحكم العقل ، وأما عن الامرة بالتوقف مطلقا ، فهي محمولة على الندب ، بقرينة ما دل من أدلة البراءة ، وأما عما يدل على رد حكم الشبهة إلى الله والرسول ، فقد مر ما يرد عليه في آية الرد ، وأما عما يدل على لزوم الاحتياط ، فبأن الامر فيها محمول على مطلق الرجحان ، لقرائن داخلية فيها ، مع أدلة خارجية تدل