لا نفس الإناطة ، وعلى هذا الاحتمال المرجح بما تقدم لا تكون السببية من المجعولات بل هي منتزعة عن جعل الوجوب منوطا بغيره ، فهي وإن كانت متأخرة عنه وكانت مما أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ، إلا إنها لا تكون من المجعولات أصلا ، كشرطية الشئ للواجب ، ولما كان الظاهر هو هذا الاحتمال ، فلا يبقى مجال للقول بأن السببية الوجوب من الأحكام الوضعية المجعولة بالتبع أو بالاستقلال المستلزم لجعل الوجوب تبعا على ما تقدم ، توجيها لما ظاهره إنها مجعولة بالانفراد أو الاستقلال ، إذ لا معنى لجعل السببية منفكة عن الإناطة ، ولا يمكن جعل الإناطة بدون جعل المنوط ، أو القول بأنها متقدمة على الوجوب رتبة ، فعدها من الأحكام الوضعية التي هي بحقيقتها أما مجعولة بالأصالة أو بالتبع غير خال عن المناقشة ، كما لا يخفى على الملتفت إلى ما تقدم ، ومن الأحكام الوضعية الصحة والفساد وكل من حدد الأحكام الوضعية في الخمسة عدها منها ، ولا يخفى في إن الصحة والفساد أمران متضايقان لان الإضافة داخلة في مفهومها ، فالصحة عبارة عن تمامية الشئ بالإضافة إلى الغير ، من أمر ، أو أثر ، أو غيرهما ، وأشرنا سابقا في مبحث الصحيح والأعم ، وكذا في باب الاجزاء ، وكذا في باب النهي عن العبادة ، إلى إنه ليس الاختلاف بين الفقهاء والمتكلمين في مفهوم الصحة ، فإنه عبارة عن التمامية عندهما ، وإنما الاختلاف فيما يضاف إليه هذا المفهوم ، ولما كان المهم عند المتكلمين تمامية الشئ من حيث الوفاء بالغرض وموافقته للامر ، فعبروا عنها بالصحة ، فإذا تم الشئ في عالم الإطاعة والوفاء بالغرض ، يقال إنه صحيح عند المتكلم ، وإلا ففاسد ، وأما عند الفقهاء فلما كان المهم إتيان ما هو مسقط للقضاء والإعادة ، فعبروا عن الصحة به ، فهي عندهم عبارة عن تمامية الشئ من حيث هذا الأثر ، وبالجملة تكون نسبة الصحيحين عموما من وجه ، فتارة يكون العمل مسقطا للقضاء ، ولا يكون وافيا بالغرض ، مثل ما يصدر عن المضطر الباقي عن العذر دائما ، وأخرى يكون وافيا بمقدار من الغرض ولا يكون مسقطا للقضاء ، مثل أعمال المضطر الذي يزول عذره في الوقت ، فإنها تكون وافية مقدارا من المصلحة ، ولكن بعد رفع الاضطرار يلزم عليه تتميم الغرض وتحصيله ، بأن يحصل الشخص الواحد مثلا بصلوتين ، فإن هذا العمل عند المتكلمين ليس وافيا بتمام الغرض ، وعند الفقهاء