القول بحجية الاستصحاب في الأحكام التكليفية دون الوضعية ومنشأه تصور أن الأحكام الوضعية أمور عقلية انتزاعية لا تكون موضوعة للأثر الشرعي ولا هو بنفسه كذلك ، ودفع هذه الشبهة بأن قصر مورد الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب أثرا أو ذا أثر في الشرع دعوى بلا بينة ، فإن ما كان ولابد منه في التنزيل هو أن يكون مورده إما بلا واسطة أو معها ولو بوسائط عديدة مما أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ، فكل ما ينتهي أمره إلى الامر الكذائي ولو بالوسائط ، فلا مانع من تنزيله باعتبار ذلك ، ولو كان لدليل التنزيل عموم أو إطلاق كما إنه كذلك في أخبار الباب ، فلنا الاخذ به والقول بعدم اختصاصه بما هو بنفسه أثر أو موضوع للأثر ، وحيث أن الأحكام الوضعية طرا مما أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بالواسطة في مثل ما ينتزع عن التكليف ، فصح استصحابها أيضا لعموم الدليل لها ، فلا وقع لهذا التفصيل ولا يحتاج رفعه إلى أزيد مما ذكر ، ولما انجر الكلام إلى هنا وجرى ديدن جمع على البحث عن حقيقة الأحكام الوضعية ومقدارها ومجعوليتها ، فلا بأس بالتعرض لها بمقدار ما يسعه المجال . ( فنقول ) قد اختلف الأصحاب في عددها ، فبعض على إنها ثلاثة ، والاخر على إنها خمسة أو سبعة ، وذهب ثالث إلى إنها غير منحصرة في هذا المقدار وهي بشتاتها مندرجة في الإضافة بين الامرين ، فمن نحو من أنحاء إضافة الشئ إلى شخص ينتزع الملك ، ومن نحوها الاخر ينتزع الحق ، ومن نحو إضافة بين شخصين تنتزع الولاية أو الزوجية أو الرقية ، كإضافة بين الأب والولد وغيرها ، ومما بين الشارع وجميع الأشخاص كإضافة بين الحاكم الشرعي وساير الافراد تنزع الولاية والقضاء وهكذا ، وكيف كان فقد تقسم الاحكام إلى جعلية وغير جعلية ، كما يقسم مطلق الحكم إلى التكليفي والوضعي ، ولكن يسلم انحصار الأول في الخمسة المعروفة المندرجة في الاقتضاء والتخيير ، وكذا يسلم مجعوليتها بأسرها ، وأما الوضعي فيقسم إلى الجعلي وغيره ، ويختلف في عدده ومقداره واندراجه في أدلة الاستصحاب وعدمه ، وتحقيق القول فيه يحتاج إلى تمهيد مقدمة يبين فيها الفرق بين الجعلي وغيره . ( فنقول ) إن الحقائق الجعلية هو أمور اعتبارية لا تحقق إلا بالانشاء وقصده كالتعظيم ونحوه ، فما لم يكن إنشاء وجعل من المالك الحقيقي أو الظاهري لا تحقق لملكية