الدليلين ما إذا كان بين دليلي الأمر والنهي عموم وخصوص من وجه ، وذلك من أجل العموم من وجه بين متعلقي الأمر والنهي ، أي العموم من وجه الذي يقع بين عنوان " المأمور به " وعنوان " المنهي عنه " بينما أن التزاحم بين الوجوب والحرمة من موارده أيضا العموم من وجه بين الأمر والنهي من هذه الجهة . وكذلك مسألة الاجتماع موردها منحصر فيما إذا كان بين عنواني " المأمور به " و " المنهي عنه " عموم من وجه . فيتضح أنه مورد واحد - وهو مورد العموم من وجه بين متعلقي الأمر والنهي - يصح أن يكون موردا للتعارض وباب التزاحم ومسألة الاجتماع ، فما المائز والفارق ؟ فنقول : إن العموم من وجه إنما يفرض بين متعلقي الأمر والنهي فيما إذا كان العنوانان يلتقيان في فعل واحد ، سواء كان العنوان بالنسبة إلى الفعل من قبيل العنوان ومعنونه ، أو من قبيل الكلي وفرده ( 1 ) . وهذا بديهي .
( 1 ) إنما يفرض العموم من وجه بين العنوانين إذا لم يكن الاجتماع بينهما اجتماعا مورديا ، بل كان اجتماعا حقيقيا ، ونعني بالاجتماع الحقيقي أن يكون فعل واحد ينطبق عليه العنوانان على وجه يصح في كل منهما أن يكون حاكيا عنه ومرآة له وإن كان منشأ كل من العنوانين مباينا في وجوده بالدقة العقلية لمنشأ العنوان الآخر . ولكن انطباق العناوين على فرد واحد لا يجب فيه ان يكون من قبيل انطباق الكلي على فرده ، أي لا يجب أن يكون المعنون فردا للعنوان ومن حقيقته ، لأن المعنون كما يجوز أن يكون من حقيقة العنوان يجوز ان يكون من حقيقة أخرى ، وإنما الذهن يجعل من العنوان حاكيا ومرآة عن ذلك المعنون ، كمفهوم الوجود الذي هو عنوان لحقيقة الوجود ، مع أنه ليس من حقيقته ، ومثله مفهوم الجزئي الذي عنوان للجزئي الحقيقي وليس هو بجزئي بل كلي ، وكذا مفهوم الحرف والنسبة . . . وهكذا . ولأجل هذا عممنا العنوان إلى قسمين . وهذا التعميم سينفعك فيما يأتي في بيان المختار في المسألة ، فكن على ذكر منه . ولقد أحسن المولى صدر المحققين في تعبيره للتفرقة بين القسمين ، إذ قال في الجزء الأول من الأسفار " وفرق بين كون الذات مصدوقا عليه بصدق مفهوم ، وكونها مصداقا لصدقه " . وقد أراد المصداق النحو الثاني ، وهو المعنون الصرف بالنسبة إلى معنونه وأراد بالمصداق فرد الكلي ، ويا ليت ! أن يعمم هذا الاصطلاح المخترع منه للتفرقة بين القسمين .