في ذلك المساء، طلبت منه
أن يسير بي إلى (مجلس الشورى)، سار بي إليه، وقد عجبت عندما رأيت كبر القاعة التي
خصصت له، وتعدد فروعها، فقلت: ألا ترى أنكم قد بالغتم في كبر هذه القاعة واتساعها.
قال: ومع ذلك، فهي لا تضم
كل من هو في مجلس الشوري.. إن مجلس الشورى الحقيقي يضم المدينة جميعا.
قلت: عهدي بمجلس الشورى
ألا يضم إلا المنتخبين.
قال: تلك مجالس الشورى
الصورية.. مجلس الشورى الحقيقي هو الذي يستشير الرعية كل حين، فقد يوجد في النهر
ما لا يوجد في البحر، وقد يرى العامي ما لا يرى المختص.
قلت: على أي نظام ديمقراطي
اعتمدتم على هذا؟
قال: على نظام محمد (ص).. فمحمد (ص) لم يكن
يميز في شوراه بين الخاصة والعامة.. لقد كان يستشير الكل، وكان الكل يشير عليه،
لقد أمره الله بذلك، فقال:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل
عمران:159)
قلت: إن الآية تشير إلى
تأثير الشورى في تأليف القلوب.
قال: ما أعظم أن تتوحد
قلوب الرعية مع قلوب حكامها.. إنهم حينذاك يصيرون قوة لا يمكن لأحد قهرها.
سأضرب لك مثالا عن واقعنا
استقيناه من واقع النبي (ص)..
إن كل ما تراه في المدينة
من إنجازات ضخمة بركة من بركات الشورى.. لقد كنا في كل حين نجمع الرعية، ونخاطبها،
ونطلب رأيها، وكنا بحمد الله نجد من بركات ذلك ما عاد علينا بالخير والمنفعة.
لقد وجدنا الرعية تقبل على
المشاريع تنفذها برغبة تامة، وهي مقتنعة تمام الاقتناع بمدى جدواها.