قال: هذه معاهدة صلح
الحديبية، وقد عقدها (ص) حين قدم من
المدينة معتمرا، لا يريد حربا، وساق معه الهدي، لكن قريشا ذعرت من هذا الزحف
المباغت من المسلمين، وفكرت بجد في منع المسلمين من دخول مكة مهما كلف الأمر ..
قلت: أعرف هذه الحادثة..
فما الذي استفدتم منها؟
قال: لقد اعتبر القرآن
الكريم ما حصل في هذه المعاهدة فتحا مبينا مع أن البشر ـ بفهمهم المحدود ـ
اعتبروها نوعا من الاستسلام الذليل.
قلت: أعرف هذا.. فما الذي
استفدتم منه؟
قال: استفدنا الكثير.. إن
هذه المعاهدة جنبتنا الكثير من الويلات، بل فتح لنا بسببها من الفتوح ما لا نزال
ننعم به.
قلت: لم أفهم.
قال: إن رسول الله (ص) في هذه المعاهدة لم يكن يهمه إلا شيء واحد تخلى من أجله عن
كثير من مظاهر النصر الباهت..
قلت: ما هو؟
قال: السلام.. الرسول (ص) اعتبر السلام.. وإحلال السلام بينه وبين أعدائه هي فرصة النصر
التي يجوز أن يضحى في سبيلها بكل شيء..
قلت: لكن الأعداء فهموا
السلام استسلاما؟
قال: فلتمل عليهم عقولهم
وأهواؤهم وشياطينهم ما شاء لها أن تملي.. العبرة بمن ينتصر أخيرا.. النصر الحقيقي
لا النصر المزيف.. وذلك ما حصل لرسول الله (ص).
قلت: فكيف استفدتم من هذا؟
قال: رحنا نبحث عن كل جذور
العداوة التي بيننا وبين جيراننا.. فاجتثثناها واحدا واحدا.. ورحنا بما أملت علينا
أخلاق أهل الإيمان نوثق الصلات بيننا وبينهم حتى صاروا أميل إلى تقديسنا منهم إلى
حربنا.
سرت مع محمد المهدي في تلك
القاعة طيلة ذلك الصباح، وقد اطلعت على الكثير من الوثائق، وقد جعلني ذلك أقتنع
اقتناعا تاما بمبادئ العدالة العظيمة التي مارسها a