سار بي محمد المهدي في
أرجاء القاعة حيث رأيت كتبا مكتوبة بخط قديم.. فقلت له: ما هذه الكتب؟
قال: هذه صور عن كتب النبي
(ص) التي كتبها في حياته([616]).. ونحن
نهتدي بهديها في قوانيننا وعلاقاتنا الداخلية والخارجية.. ولم نر منها بحمد الله
إلا البركات.
اقتربت من بعضها، فقرأت
فيه (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بن بكر بن عبد
مناة بن كنانة، بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من دهمهم بظلم،
وعليهم نصر النبي، ما بل بحر صوفه إلا أن يحاربوا في دين الله، وأن النبي إذا
دعاهم لنصره أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله ولهم النصر على من بر منهم
واتقى)
قال: هذه معاهدة بني
ضمرة.. وسببها أن رسول الله (ص) سار في
أول غزواته حتى بلغ ودان يريد قريشا وبني ضمرة، فوادعته قبيلة بني ضمرة، فكتب النبي
(ص) هذه المعاهدة التي
قرأتها.
قلت: فما الذي أفادتكم هذه
المعاهدة؟
قال: لقد أفادتنا الكثير..
إنها تنص على الأمن على الأموال، والأنفس، والنصر في مواجهة العدو، ونصر هؤلاء
الحلفاء في حالة الاعتداء عليهم، وهو ما يسمى اليوم بمعاهدة الدفاع المشترك، أو
الحلف الدفاعي.
وقد مارسنا هذا النوع من
الحلف مع جيراننا، فصرنا قوة لا يفكر أعداؤها في مواجهتها إلا بعد أن يحسبوا لذلك
ألف حساب.
سرنا قليلا في أرجاء
القاعة، فرأيت وثيقة أخرى كتب فيها: (هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن
عمرو، اصطلحا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن
بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع
محمد لم يردوه عليه: وأن بيننا عيبة مكفولة([617]) وأنه لا
إسلال ولا إغلال([618])، وأنه من
أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه،
[616] من أهم الكتب التي حاولت أن تجمع الوثائق التي كتبت
في عهد النبي (ص) ما قام به الأستاذ محمد
حميد الله الحيدر أبادي من جمعه لمجموعة ما تعلَّق بالنبي (ص) وقد حاول الأستاذ محمد حميد الله
بإخلاص جمعَ هذه الوثائق من أمهات كتب التاريخ والمتاحف، وقدَّم لنا معلوماتٍ
مفيدةً يمكننا الاعتماد عليها كثيرًا..
[617] أي أن تكف عنا ونكف عنها، فلا تكون بيننا عداوة.