(وهي ثنية بين مكة والمدينة) تضيء منها أعناق الإبل ببصرى)([355])
وقد سماها (ص) نار الحجاز، فقال: (لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز)([356])، وفي رواية: (تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى)([357])
وقد حصل ما أخبر عنه رسول الله (ص)، فظهور هذه النار بالمدينة المنورة اشتهر اشتهاراً بلغ حدَّ التواتر
عند أهل الأخبار.
وكان ابتداء الزلزلة بالمدينة الشريفة مستهل جمادى الآخرة، أو آخر
جمادى الآخر، أو آخر جمادى الأول سنة أربعة وخمسين وست مئة، لكنها كانت خفيفة لم
يدركها بعضهم مع تكررها بعد ذلك، واشتدت في يوم الثلاثاء ـ على ما حكاه القطب
القسطلاني ـ وظهرت ظهوراً عظيماً، اشترك في إدراكه العام والخاص، ثم لما كان ليلة
الأربع ثالث الشهر أو رابعه، في الثلث الأخير من الليل حدث بالمدينة زلزلة عظيمة
أشفق الناس منها، وانزعجت القلوب لهيبتها، واستمرت تزلزل بقية الليل، واستمرت إلى
يوم الجمعة، ولها دوي أعظم من الرعد، فتموج الأرض وتتحرك الجدران، حتى وقع في يوم
واحد دون ليلة ثماني عشرة حركة.
وقد ذكر القطب القسطلاني في كتاب أفرده لهذه النار، وهو ممن أدركها
لكنه كان بمكة فلم يشاهدها: إن ابتداءها يوم الجمعة السادس من شهر جمادى الآخرة،
وأنها دامت إلى يوم الأحد السابع والعشرين من رجب، ثم خمدت ـ فجملة ما أقدمت اثنين
وخمسين يوماً، لكنه ذكر بعد ذلك أنها أقامت منطفئة أياماً ثم ظهرت، قال: وهي كذلك
تسكن مرة وتظهر أخرى، فهي لا يؤمن عودها وإن طفيء وقودها.
وقد ذكر ابن كثير أنه أضاءت من هذه النار أعناق الإبل ببصرى، فقال:
أخبرني قاضي القضاة صدر الدين الحنفي قال: أخبرني والدي الشيخ صفي الدين مدرس
مدرسة بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة الليلة التي ظهرت فيها هذه النار
ممن كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار، فقد تحقق
بذلك أنها الموعودة بها، والحكمة في إنارتها بالأماكن البعيدة من هذا المظهر
الشريف حصول الإنذار، ليتم به الإنزجار.